بين نعم لو حمل الاطلاق في كلام المحقق على إطلاقه رجع إلى مقالة المرتضى لكن قد عرفت مما بينا أنه خلاف لظاهر من بيانه ثم المستفاد من بيان المحقق أن المقتضي للحكم بمنزلة الدليل عليه في وجوب الاخذ به عند عدم ثبوت معارضة مانع له وهذا في محل المنع لان اقتضاء المقتضي شأنا غير مفيد وفعلا مشروط بعدم المانع وهو غير معلوم إذ الكلام فيما إذا حصل الشك في حصوله وأما إلحاق المقتضي بالدليل في وجوب العمل به ما لم يثبت المعارض بجامع الاقتضاء فمع إمكان الفرق بأن مقتضى الدليل غالبا نفي وجود المعارض فيجوز أن يكون الاعتماد على عدم المعارض هناك لذلك بخلاف المقتضي في المقام فمدفوع بأن علية الجامع ليست منصوصة ولا منقحة وهي في الفرع أولى فيكون مستنبطة محضة وهي غير معتبرة وكيف كان فلو حمل الدليل في كلام المرتضى على ما يتناول المقتضي للحكم وافق كلام المحقق فيتحد القولان إلا أنه بعيد عن مساق كلامه واعلم أن ما اختاره المحقق في الاستصحاب وإن كان قريبا إلى مقالتنا إلا أنه يفارقها من وجوه الأول أنه لم يتعرض لحكم الاستصحاب في غير الحكم الشرعي وإنما ذكر التفصيل المذكور في الحكم الشرعي جريا للكلام على مقتضى المقام الثاني أنه يعتبر في سبب الحكم أن يكون مقتضيا لبقائه ما لم يمنع منه مانع يصح أن يكون دليلا على البقاء عند الشك ونحن إنما اعتبرنا ذلك ليكون مورد الاستصحاب مشمولا لاخبار الباب الثالث أن أدلة الاستصحاب عنده مختلفة على حسب اختلاف أسباب الحكم و قضية ذلك أن لا يكون الاستصحاب حجة في موارده وأما على ما اخترناه فقاعدة الاستصحاب مستندة إلى دليل عام وهي حجة على الحكم بالبقاء في مواردها الخاصة الرابع أنه اعتبر في الاستصحاب أن لا يكون الدليل الذي يقتضيه موقتا وهذا إنما يعتبر عندنا فيما إذا كان الشك في تعيين الوقت مفهوما أو مصداقا دون غيره ويمكن تنزيل كلامه على وجه يرجع إلى ما ذكرناه إذا عرفت هذا قلنا على حجية الاستصحاب في المقام الأول ظواهر الاخبار المعتضدة في بعض مواردها بالاعتبار على ما سيأتي في حجة المثبتين وعلى عدم حجيته في المقام الثاني الأصل المجرد عن المعارض وقصور الأدلة الدالة على حجيته عن إفادتها فيه وسننبه على ذلك عند ذكرها حجة القائلين بالاثبات مطلقا وجوه الأول قضاء صريح العقل بصحة التعويل عليه والركون إليه ولولا ذلك لما استقام النظام ولاختل طرق معايش الأنام فإن أرباب الصنائع والأعمال إنما يتعاطون ما طلبا للوصول إلى فوائدها والبلوغ إلى ثمراتها ولا ريب في ابتناء ذلك على استصحاب بقائهم و بقاء ما يتوقف تحصيل الفوائد عليه بل إذا تأملت وجدت وجدت ذلك أمرا مركوزا في جميع النفوس حتى النفوس الصامتة أ لا ترى أن البهائم عند الحاجة تطلب المواضع التي عهدت فيها وماءها ومرعاها والطيور تعود من الأماكن البعيدة إلى أوكارها ومأواها فإنها لا تفعل ذلك إلا لما هو مركوز في ذاتها من البناء على بقاء ما شاهدته و التعويل على استمرار ما فارقته ويرد على هذا الوجه إشكالان الأول أن تعويلهم على الاستصحاب في تلك الموارد ونظائرها ليس على نفس الاستصحاب ولا على الظن الناشئ منه من حيث كونه ناشئا منه بل على الظن الناشئ منه من حيث كونه ظنا مطلقا بدليل دورانه معه وجودا وعدما فلا يثبت به حجية الاستصحاب وجوابه أن تعويلهم في تلك الموارد على الظن من حيث كونه ظنا مطلقا لا ينافي تعويلهم على الاستصحاب بل يستلزمه من حيث توقفه فيها عليه و قد قررنا أن الموصل إلى الحجة حجة كنفس الحجة نعم يلزم من ذلك أن لا يكون مطلق الاستصحاب هناك حجة بل المفيد منه للظن وهو مما لا مدفع له عمن لا يعتبر الظن في حجية الاستصحاب فيلزم عليه أخصية الدليل من المدعى الثاني أن اعتبار الاستصحاب في الأمور العادية التي لا يستقيم فيها النظام بدونه لا يستلزم اعتباره في الأحكام الشرعية التي ينتظم فيها الأساس بدونه كمطلق الظن فإنه يعتبر في الأمور العادية بل عليه مبناها غالبا ولا يلزم منه اعتباره في الأحكام الشرعية نعم اعتباره في بعض موضوعات الاحكام مما يستقل به العقل كحياة الغائب فيحكم بمضي تصرفات وكيله ووجوب الانفاق على عياله من ماله ما لم ينكشف الخلاف إلى غير ذلك الأداء إهماله فيما أشبه ذلك إلى فساد النظام كما أنه يستقل بحجيته في بعض الأحكام نفيا وإثباتا كاستصحاب البراءة حيث يشك في التكليف واستصحاب الشغل المعلوم وحيث يشك في البراءة تعويلا على قبح التكليف من دون بيان في الأول و على وجوب دفع الضرر المخوف في الثاني وأما حجيته في سائر الموارد فلا يتم عند التحقيق إلا بدلالة الاخبار وعلى هذا فيمكن أن يكون عد الاستصحاب من الأدلة العقلية نظرا إلى أن حجيته ولو بحسب بعض موارده مستفادة من العقل الثاني أن المقتضي للحكم الأول ثابت إذ الكلام على تقديره والمعارض لا يصلح للرفع لان مرجعه إلى احتمال تجدد ما يوجب زوال الحكم وهو معارض باحتمال عدمه فيتدافعان ويبقى الحكم سليما عن الرافع وفيه نظر لأنه إن أريد بثبوت المقتضي مع احتمال تجدد ما يوجب زوال الحكم تحققه معه بصفة الاقتضاء فغير سديد لان زوال الحكم يستلزم زوال الاقتضاء فلا يجامع احتمال زوال الحكم لتحقق الاقتضاء ضرورة أن الامر النسبي لا يتم بدون المنتسبين فلا يمكن العلم بثبوته مع عدم العلم بثبوتهما وإن أريد تحققه بذاته فغير مفيد لان ذات المقتضي لا يستلزم ثبوت الحكم ما لم يثبت عدم المانع والتقدير كونه احتماليا مع أن قوله وهو معارض باحتمال عدمه غير مستقيم لأنه إن اعتبر التعارض
(٣٦٩)