في الان المتأخر فلا يثبت فيه لعدم دليل عليه وأجيب تارة بالنقض باستصحاب حكم غير الاجماع لان ما دل على ثبوت الحكم في الان السابق إن دل عليه في الان اللاحق فهو الدليل عليه دون الاستصحاب وإلا فلا يثبت الحكم لعدم دليل عليه وأخرى بالحل وهو أن عدم قيام الدليل الدال على ثبوت الحكم في الزمن السابق على ثبوته في الزمن اللاحق لا ينافي ثبوته فيه بدليل آخر وهو أدلة الاستصحاب القاضية بالبقاء والاستمرار وبقية الأقوال مع شذوذها غير واضحة المستند ثم هاهنا فوائد الأولى الشك في عروض القادح وقدح العارض كما يتحقق في الاستصحاب كذلك يتحقق بالنسبة إلى أصل البراءة وأصل الإباحة والكل حجة في المقامين لكن حجيتها في المقام الأول ثابتة في حق المجتهد و المقلد مع العجز عن استكشاف الحال وبدونه ما لم يرجع إلى الأدلة كالشك في ورود الناسخ ووقوع التخصيص أو التقييد فيرجع إلى القسم الآتي وأما حجيتها في المقام الثاني فمقصورة على المجتهد و من في حكمه ممن تعذر عليه الرجوع إلى المجتهد ومشروطة بالفحص عن المعارض وعدم مصادفته وبالجملة فحكمها كحكم سائر الأدلة التفصيلية فكما لا يجوز لغير المجتهد العمل برواية أو آية يصادفها مطلقا ولا له مع عدم الفحص عن المعارض كذلك لا يجوز لغير المجتهد العمل بالأصول المذكورة في مقام الشك في قدح العارض مطلقا ولا له مع عدم الفحص عن المعارض ولو جعلنا حجيتها بالنسبة إلى ذلك أيضا مطلقا لما وجب على العوام الرجوع إلى العلماء ولا على العلماء الرجوع إلى الأدلة وذلك يؤدي إلى انهدام أساس الشريعة واضمحلال الاحكام بالكلية والمعتبر من الفحص هنا ما يعتبر منه في سائر الأدلة ومنه تعيين ماهية القادح مع إمكانه حيث يتحقق القادح فلو علم أن الغناء حرام وشك في تعيين ماهيتها مع التمكن منه لم يكن له التمسك في حلية كل صوت يحتمل عنده أن يكون منها بأصل الإباحة وكذا لو علم بنجاسة حيوان يسمى كلبا وشك في كونه الأرنب أو الثعلب أو غيرهما مثلا لم يكن له التمسك بأصالة طهارتهما أو طهارة ما لاقاهما أو لاقى أحدهما برطوبة ما لم يتعذر عليه طريق التعيين نعم لو لاقاه أحدهما وشك في تعيين الملاقي منهما بأصالة الطهارة سواء تمكن من تعيينه أو لا إذ ليس لتعيين المسمى حينئذ مدخل في حكم الملاقى إلى غير ذلك فإن قلت لا منافاة بين حجية هذه الأصول على تقدير ترك الفحص وبين الاثم بتركه لتغاير الموضوعين فيثبت فيما مر الحل والطهارة ما دام جاهلا بالمعارض وإن أثم بترك الفحص عنه قلت ليس الوجه فيما ذكرناه لزوم المنافاة بل عدم مساعدة الأدلة على حجيتها حينئذ فإن الظاهر من قولهم بوجوب الفحص عدم ثبوت حكم الواقعة قبله وهذا إن لم يوجب تقييد إطلاق الاخبار أو تخصيص عمومها فلا أقل من إيجابه للشك في شمول المورد المبحوث عنه فيبقى الحكم بالبقاء فيه عريا عن الدليل وأيضا قد حققنا في محله عدم حجية الأدلة السمعية الظنية إلا بعد الفحص عن المعارض والاستصحاب ليس بأقوى منها الثانية كما يثبت بالاستصحاب بقاء مورده كذلك يثبت به لوازمه الشرعية التي يترتب عليه من غير توسط أمور عادية وإن كان ترتبها مخالفا للاستصحاب والمراد بالترتب ما يتناول ترتب المشروط على الشرط كترتب صحة الصوم على استصحاب عدم الجنابة وترتب المسبب على السبب كترتب وجوب الانفاق على استصحاب الزوجية واحترزنا بذلك عن الاحكام الغير المترتبة على الامر المستصحب فإنها لا تثبت باستصحابه وإن كانت من لوازمه الشرعية كطهارة الملاقي لاحد المشتبهين فإنها وإن استلزمت شرعا طهارة ما لاقاه منهما لكنها ليست من أحكامها المترتبة عليها فلا يثبت باستصحابها و كاستصحاب جواز الجواز في المسجدين والمكث في المساجد و قراءة العزائم لمن علم بوقوع حدث منه وشك في كونه الأصغر أو الأكبر فإن الأحكام المذكورة وإن استلزمت عدم الجنابة شرعا إلا أنه ليس من أحكامها المترتبة عليها فلا يثبت باستصحابها ولهذا يحكم عليه بوجوب الجمع بين الطهارتين وكذا الكلام في ثبوت تلك الأحكام بأصل البراءة في حق من علم بسبب الجنابة والغسل وشك في المتأخر منهما فإنه لا يثبت به عدم الجنابة ولهذا نحكم بوجوب الغسل عليه وبالجملة فالذي يثبت بالاستصحاب على ما يستفاد من أخبار الباب بقاء مورده وحدوث ما يترتب عليه أولا من أحكامه الشرعية فيثبت باستصحاب الطهارة بقاؤها فيترتب عليه صحة الصلاة المأتي بها معها وحصول البراءة بها وباستصحاب الكرية بقاؤها ويترتب عليه طهارة ما يرد عليه من المتنجس وكذا يترتب على استصحاب نجاسة متنجس نجاسة ملاقيه برطوبة وعلى استصحاب ملكية ما أعطاه براءة ذمته وصحة ما عقد عليه إلى غير ذلك فإن هذه الأمور وإن كانت حادثة ومقتضى الاستصحاب عدمها وقضية ذلك تعارض الاستصحابين إلا أن المستفاد من الأخبار الواردة في المقام ثبوت تلك الأمور بالاستصحاب أ لا ترى أن قوله عليه السلام في صحيحة زرارة السابقة ولا تنقض اليقين بالشك بعد قوله فإنه على يقين من وضوئه يعطي البناء على يقينه السابق وإثبات ما يترتب عليه من أحكامه الشرعية كصحة الصلاة إذا أتى بها وبراءة ذمته منها في مسألة الشك في بقاء الطهارة كما هو مورد الرواية وإن كانت مخالفة للاستصحاب وكذا الكلام في بواقي الاخبار وهذا واضح جدا وبه يتضح الوجه فيما يظهر من بعض المحققين من تحكيم الاستصحاب الوارد على الاستصحاب المورد عليه وربما تردد بعض أفاضل العصر في بعض فروع المسألة كتنجيس مستصحب النجاسة لملاقيه بل حكم فيه بعدم
(٣٧٧)