الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٧٥
الظن بالاستصحاب إذا التزم بكونه من أسبابه ما لم يتساويا في القوة أو يقوى الظن الاخر فلا وجه لتخصيص حصول الظن به بصورة عدمه وإن أريد بالظن بالبقاء ما يعم الظن الشأني فلا وجه لتقييده بصورة عدم الظن بطرو الرافع سواء أريد به الظن الفعلي أو الشأني إذ لا يقدح في الظن الشأني كون الظن الفعلي بخلافه فضلا عن الظن الشأني وأما الكبرى فلان مورد الاستصحاب إن كان حكما شرعيا فلا نسلم حجية الظن فيه مطلقا وإنما المسلم فيه حجية أدلة مظنونة و المستفاد من أخبار الاستصحاب حجيته على سبيل التعبد لا لكونه مفيدا للظن ولو قدر حصول الظن منه في مقام فلا أثر له في الحجية و إنما هو من الأمور المقارنة للحجة كالشك والوهم حيث يقارنانه وإن كان أمرا وضعيا فلا إشكال في حجية الاستصحاب فيه مع إفادته للظن لما دل على حجية الظن في الأوضاع وإن كان موضوعيا فلا كلام في عدم حجية الظن فيه إلا حيث قام الدليل فيه على حجية الخصوص إذ ما يستند إليه في حجية الظن هو انسداد باب العلم مع بقاء التكليف وهو لا يجري في الموضوعات لعدم تحقق انسداد باب العلم إلى كثير من أفرادها وعدم ثبوت بقاء التكليف بالنسبة إلى غيرها احتج النافون لحجية الاستصحاب بمنع حصول الظن به كما توهمه القائلون بحجيته حيث جعلوا مبنى حجيته عليه ولو سلم فالأصل حرمة العمل بالظن إلا ما قام الدليل على خلافه ولا دليل على خروج هذا الظن فإن ما دل على حجيته من أخبار الآحاد إنما يفيد الظن وهو غير معتبر في المباحث الأصولية والجواب أما عن الأول فبأن المنع من حصول الظن به مطلقا على تقدير تسليمه لا يقدح فيما ذكرناه حيث اخترنا القول بحجيته من باب التعبد وأما عن الثاني فبأن أخبار الآحاد إذا اشتملت على شرائط القبول كانت حجة في الفروع وأصولها والتفصيل غير سديد نعم هي غير معتبرة في أصول الدين وغيرها مما مبناه على اليقين ومجرد الاشتراك في الاسم لا يقتضي التسوية في الحكم واعلم أن هذا القول أعني القول بعدم حجية الاستصحاب مطلقا مما لم نعثر بقائله وإنما وجدناه منقولا في كلام البعض ويمكن أن يكون مذهبا لأكثر الحنفية على ظاهر ما نسب العضدي إليهم حيث قال بعد تفسير استصحاب الحال باستصحاب الحكم فأكثر المحققين كالمزني والصيرفي والغزالي على صحته وأكثر الحنفية على بطلانه فلا يثبت به حكم شرعي هذا كلامه لكن استفاد التفتازاني من قوله فلا يثبت به حكم شرعي أن الحنفية إنما ينكرون صحته في إثبات الحكم الشرعي دون نفيه وهو غير واضح لان نفي الوجوب والتحريم الشرعيين مثلا أيضا حكم شرعي ولهذا لا يجوز بغير دليل معتبر نعم يتم [يتجه] ذلك إذا أريد بالحكم خصوص الخمسة التكليفية والوضعية دون مطلق الحكم و لعله أوفق بإطلاق الحكم ومع ذلك فليس في عبارة العضدي ما يدل على نفيهم بحجيته في غير الاحكام مع أن البحث في ذلك إنما يناسب علم الفقه دون الأصول لأنه خارج عن البحث في الأدلة و تعميمنا للبحث إليه في المقام استطرادي وتبع لتعميم بعض القوم احتج من فصل بين الشك في عروض القادح والشك في قدح العارض بأن المستند في حجية الاستصحاب إنما هو الاخبار وإنما هي تدل على حجيته في المقام الأول بدليل ورودها في جزئيات مواردها فيبقى الحكم بحجيته في المقام الثاني تحكما لخلوه عن الدليل والجواب المنع من اختصاص دلالة الروايات بالمقام الأول بعد تسليم اختصاص المستند فيها بل المفهوم من إطلاقها عدم الاعتداد بالشك في طرو الرافع مطلقا وإن كان إطلاق الحكم في المقام الثاني مقيدا بما سنذكره ويمكن تأييد القول المذكور بأن الظاهر من مساق أخبار الباب أنهم عليهم السلام في صدد بيان الطريق إلى معرفة الأمور الخارجية التي هي موضوعات الاحكام دون نفس الاحكام فمساقها مساق ما دل على قبول قول ذي اليد على ما في يده وقبول قول النساء على أرحامهن وقبول قول المدعي مع بينته والمنكر مع يمينه إلى غير ذلك إذ لا يتوهم في شئ من ذلك التعميم إلى قبول قولهم في معرفة الحكم الشرعي بل المفهوم منها القبول في الأمور الخارجية وأيضا التمسك بحجية الاستصحاب في الاحكام الشرعي إنما يوجد في كلمات المتأخرين فيظهر ممن تقدمهم عدم فهمهم ذلك منها وذلك موهن لدلالتها عليه والجواب عن الأول أن عموم اللفظ حجة في موارده لا يصار عنه إلا لدليل وانتفاء العموم في النظائر لعدم مساعدة مساقها عليه أو لدلالة دليل عليه لا يقدح في عموم ما لا يساعد مساقها على عدم العموم لورودها في مقام إفادة الضابطة الكلية ولا دليل عليه من خارج وعن الثاني بأن عدم تنبههم لدلالة تلك الروايات على المقصود بعد تسليمه لا يقدح في دلالتها بعد وضوحها واشتهار الحكم فإن العلم يتكامل بتلاحق الأفكار وتوارد الأنظار حجة الفاضل السبزواري قد تبينت بجوابها مما ذكرناه في ذيل الاخبار فلا نطيل بالإعادة حجة المحقق الخوانساري أن ما يدل على حجية الاستصحاب أمران الاخبار وقضاء شغل الذمة بوجوب تحصيل العلم بالبراءة وهما إنما ينهضان بحجيته في الاحكام التي ثبت استمرارها إلى غاية معينة في الواقع غير مشروطة بالعلم بها و شك في حصولها سواء كانت تكليفية أو وضعية وشمول الدليل الأول لهما ظاهر وكذا شمول الثاني للأربعة التكليفية وأما شموله للإباحة والوضعية فباعتبار استلزامها لها لوجوب الاعتقاد بثبوتها إلى غاياتها وجوابه المنع من اختصاص دلالة الدليل الأول أعني الاخبار بما ذكره كما سبق التنبيه عليه وهو كاف في إثبات ما اخترناه و إن سلم قصور ما عداه عنه هذا وأورد على ما قرره في الدليل الثاني تارة
(٣٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 ... » »»