التقييد أمر نسبي انتزاعي ولا ريب في صحة انتزاعه بعد ثبوت الطرفين وأما ثالثا فلان ما ذكره من أن نبوة الأنبياء السلف كانت محدودة فإن أراد التحديد بأمر غير معين كمجئ نبي آخر فهذا لا يقدح في صحة الاستصحاب حيث يشك في مجيئه وإن أراد التحديد بزمن معين فإن أراد ذلك بحسب الواقع فلا يجديه بعد تسليم إبرازها ببيان لا يشتمل عليه وإن أراد ذلك بحسب الظاهر فهذه الدعوى على إطلاقها مما لا يمكن الالتزام بها إذ لم نقف إلى الان ما يدل عليها بل قد عرفت ما يدل على خلافها وأما رابعا فلان ما ادعاه من أن شريعة نبينا ليست ناسخة حقيقة لشريعة من قبله واضح السقوط لمخالفته لاجماع المسلمين بل وضرورة الدين المبين وإخبارهم بمجيئه صلى الله عليه وآله إجمالا [مما] لا يقدح في كون شريعته ناسخة كما حققناه في مبحث النسخ ومن اشترط في النسخ عدم اقترانه بالبيان التفصيلي والاجمالي فقد غفل عن ذلك لا أنه ينكر كون شريعة نبينا صلى الله عليه وآله ناسخة لشريعة من قبله وأما خامسا فلان ما ذكره من أن إطلاق الاحكام لا يجدي مع الاخبار بمجئ نبينا صلى الله عليه وآله مردود بأن الأخبار المذكورة إذا لم يفد تعيين زمن مجيئه فمع عدم العلم به يستصحب تلك الأحكام وهل ذلك إلا كحكم يذكره النبي صلى الله عليه وآله ويقول إنه ينسخ فإنه ما لم يعلم بورود الناسخ يستصحب بقاؤه فتأمل فيه الخامسة يشترط في جريان الاستصحاب بقاء موضوعه بالاعتبار الذي هو بحسبه موضوع فإن كان موضوعا باعتبار الحقيقة اعتبر بقاؤها ولا يقدح فيه زوال الاسم وإن كان باعتبار المسمى اعتبر بقاء التسمية ولا يجدي مع زوالها بقاء الحقيقة ولا يلزم العلم بالبقاء واقعا بل يكفي ثبوته في الظاهر ولو بالاستصحاب وموضوع هذا الاستصحاب ليس نفس الموضوع ليلزم الدور بل مادة الموضوع في استصحاب حقيقته الصورية ومعروضه استصحاب عوارضه المعتبرة في التسمية وبقاؤهما معلوم ولو فرض الشك في بقاء المعروض في القسم الثاني استصحب أيضا كما في القسم الأول وبالجملة فمحصل هذا الشرط أن يتحد الموضوع بالاعتبار الذي هو بحسبه موضوع فلو تعدد الموضوع بتعدد الحقيقة فيما موضوعه الحقيقة أو المسمى فيما موضوعه المسمى لم يجر وإن اتحدت المادة في الأول والحقيقة في الثاني فالأول كالحطب المتنجس إذا استحال رمادا أو دخانا والماء المتنجس إذا استحال فاكهة وبخار أو الغذاء المتنجس إذا استحال خرا لحيوان طاهر إلى غير ذلك والثاني كانقلاب الخمر خلا وانتقال الدم من ذي النفس إلى غيره على وجه لا يضاف حقيقة إلا إليه كما في القمل والبعوضة وإلا جرى فيه الاستصحاب كالدم المنتقل إلى جوف الطائر والشاة ونحوهما فيستصحب حكمه السابق من طهارة ونجاسة والفرق بين المقامين أن عروض النجاسة العرضية على الأعيان المتنجسة إنما هو باعتبار كونها أعيانا لاقت نجاسة برطوبة ولا مدخل للاسم في ذلك بخلاف لحوق النجاسة والتحريم للخمر والدم من ذوي النفس فإن لحوقهما لهما إنما هو باعتبار كونهما خمرا ودما لذي النفس لان ذلك هو العنوان الذي اعتبره الشارع في إثبات الحكم فصح أن موضوعية الأول باعتبار الحقيقة والثاني باعتبار المسمى ثم الأصل في هذا الاشتراط هو أن الأصل في حجية الاستصحاب في أمثال هذه الموارد الاخبار وهي إنما تساعد على حجيته مع بقاء موضوع الحكم على الوجه الذي هو موضوع الحكم لا مع انتفائه لدلالتها على ما عرفت على حجية الاستصحاب فيما يكون من شأنه البقاء لولا طرو المانع وليس من مقتضى الحكم المتعلق بعنوان مخصوص أو عين مخصوصة تعديه إلى عنوان آخر أو عين أخرى و يؤيده ملاحظة موارده التي وردت تلك الأخبار في بيانها ويؤكده ملاحظة السيرة المستمرة الجارية في الأمثلة المذكورة ونظائرها فاتضح مما حققنا أن الحكم بطهارة الخمر وحليتها من حيث الانقلاب وبطهارة الدم من حيث الانتقال علي ما مر على حسب الأصل وإن كان الحكم بطهارة محل الخمر المتنجس بملاقاتها تبعا لها على خلاف الأصل ولهذا يقتصر فيه على مورد النص وهو انقلابها خلا ولو فرض الانقلاب في الهواء أو بين الماء الكثير أو حال الجمود لم يكن في حكمها المذكور ما يوجب الخروج عن مقتضى الأصل أصلا سواء كان الانقلاب إلى الخل أو الدبس أو غيرهما فما ذكره بعض الاجلاء من أن قضية الاستصحاب نجاسة نقيع الزبيب بالغليان لثبوتها له حال العنبية فيستصحب مما لا وجه له على ما ذكرناه وكذا ما تخيله بعضهم من أن عموم أخبار الباب ما يتناول ما إذا حصل اليقين بشئ ثم عاد شكا لأنه إن أريد تناولها له باعتبار كونه يقينا بالشئ ففيه أن الظاهر من نقض اليقين بالشك نقض ما هو يقين حال النقض لا ما كان يقينا قبله وقد مر توضيحه في مسألة المشتق وإن أريد استصحاب حكم ذلك اليقين فهو وإن كان يقينا فعليا إلا أن اليقين السابق لم يقتضه مطلقا بل ما دام ثابتا فلا سبيل إلى استصحابه بعد زوال اليقين لزوال المقتضي وأما الأعمال الواقعة على حسب ذلك اليقين حال حصوله فلا يحكم بفسادها بمجرد زواله كما لو تيقن ملك شئ فباعه أو أوقفه ثم شك بمضي السبع أو الوقف ويؤيده قوله عليه السلام لأنه حين فعله كان أذكر وقس على ذلك زوال الظن حيث يعتبر كما في عدد الركعات ثم الوحدة المعتبرة في المقام هي الوحدة العرفية لمساعدة ظاهر الاخبار التي هي الأصل في المقام عليها فحيث يكون موضوعية الموضوع باعتبار الحقيقة لم يقدح تعددها بحسب العقل ما دامت باقية على وحدتها العرفية كما في الحبوب المتنجسة إذا صارت دقيقا والعجين المتنجس إذا صار خبزا و كما في صيرورة متنجس الدبس خلا والحطب فحما والطين خزفا و آجرا والماء ثلجا ونحو ذلك فإن الحقيقة وإن
(٣٨١)