الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٨٨
الاجتهاد بالظنيات كما صرح به غير واحد منهم فإن أراد تجديد اصطلاح فلا مشاحة لكنه لا يخلو من نوع حزازة لأنه عدول عن الطريقة المتداولة المعروفة بلا ثمرة ونكتة مع أن النكتة في تخصيص القوم له بالظنيات ظاهرة وهي اختصاص جملة من مباحثهم به كبحثهم عن حجيته وتشاجرهم على قبوله للتجزية بقول مطلق فإن القطعي لا يبحث عن حجيته ولا كلام في حجية قطع المستجزي في حقه ثم أقول الفقيه إما أن يستفرغ وسعه في تحصيل القطع أو الظن أو أحدهما وعلى التقادير إما أن يحصل القطع أو الظن أو لا يحصل شئ منهما فإن أريد من خروج القطعيات خروجها بنفسها فالظنيات أيضا كذلك لان الاجتهاد من جنس الاستفراغ وهو لا يصدق على شئ منهما وإن أريد خروج الاستفراغ الموصل إليها فهو إنما يتم على التقدير الأول خاصة لا مطلقا كما ادعى نعم لو أريد باستفراغ الوسع في تحصيل الظن بطريق الاستفراغ خرجت القطعيات مطلقا لكنه خلاف ظاهر الحد الثالث أن طرد الحد غير مستقيم أما أولا فلصدقه على استفراغ الفقيه وسعه في تحصيل الظن بالحكم الشرعي الأصولي مع أن ذلك لا يسمى اجتهادا بهذا الاصطلاح حقيقة بل يختص الاجتهاد في مصطلحهم هذا بالمباحث الفرعية فلا بد من زيادة قيد الفرعي ليخرج ذلك وأما ما ذكره الفاضل المعاصر من أن المتبادر من الشرعي الفرعي فلا حاجة إلى التقييد فما لا وجه له فإن قلت المسائل الأصولية يطالب فيها بالقطع فلا يستفرغ الوسع في تحصيل الظن بها بخلاف المباحث الفروعية قلت هذا ممنوع إذ الظنون التي قام قاطع على اعتبارها مطلقا كظاهر الكتاب والسنة يصح التعويل عليها في الأصول والفروع كما أن الظنون التي لا قاطع على اعتبارها لا اعتداد بها في شئ منهما فالتفصيل غير سديد مع أن عدم الاعتداد بالظن لا ينافي استفراغ الوسع في تحصيله وهو كاف في فساد الطرد إلا أن يراد به الاستفراغ المعتد به لكن لا دلالة للحد عليه وأما ثانيا فلصدقه على استفراغ الفقيه وسعه في تحصيل الظن بفتوى غيره بإعمال القوانين اللفظية في استنباط مرامه من كلامه والجمع أو الترجيح بالوجوه المقررة عند وقوع التعارض في نقله إذ يصدق على فتوى المفتي أنه حكم شرعي ولو في الجملة ولو سلم أن المراد ما هو حكم شرعي في حق المستفرغ أو مقلديه أو ما هو حكم شرعي في الواقع ويكون استفراغه باعتبار كونه حكما شرعيا في حقه على استفراغه الوسع في معرفة فتوى غيره عند عدم تمكنه من الاجتهاد وفيما يحتاج إليه إما لضيق وقت أو فقد كتب يعتبر مراجعتها أو لقصور نظره بناء على جواز التجزي ولا ريب أن الاستفراغ المذكور ولا يعد في الاصطلاح اجتهادا و يمكن الجواب عن هذا وعن سابقه باعتبار قيد الحيثية في الفقيه فإن الاستفراغ في المواضع المذكورة ليس من حيث كونه فقيها بل أصوليا أو مقلدا لكن لا يتم هذا على ما تحققه في معنى الفقه مع ما في التعويل على قيد الحيثية من الخفاء فالأولى أن يراد بعد قيد الفرعي قولنا عن الأدلة التفصيلية فتندفع الاشكالان وأما ثالثا فلصدقه على استفراغه الذي لا يترتب عليه تحصيل الظن إذ صرف الوسع في طلب شئ لا يستلزم الوصول إليه مع أنه لا يسمى اجتهادا فإن الذي يستفاد من عرفهم أن الاجتهاد عبادة عن تحصيل الظن بالحكم على الوجه المعتبر ويمكن دفعه بأن المراد باستفراغ الوسع في تحصيل الظن تحصيل الظن بطريق الاستفراغ ولا يخفى بعده وربما أمكن الالتزام بأن مجرد الاستفراغ اجتهاد وإن لم يترتب عليه حصول الظن الرابع أن الظاهر من استفراغ الوسع بذل تمامه وهو غير لازم وإلا لادى إلى صرف تمام الوقت في تحصيل مسألة واحدة و الجواب أن المراد باستفراغ الوسع ما هو المعتبر في عرف المجتهدين لا الاستفراغ العقلي والقدر المعتبر أمر معروف وهو ما يحصل به الظن بعدم الظفر بالمعارض ظنا يعتد به فلا يلزم جهالة الحد ولا ينافي ذلك تفسير العضدي له ببذل تمام الطاقة بحيث يحس من نفسه العجز عن المريد عليه إذ المراد بإحساس العجز ظنه لئلا يلزم الاشكال المذكور ثم قد يطلق الاجتهاد على الملكة التي يقتدر بها الفقيه على الاستنباط المذكور إذ كثيرا ما يقال فلان مجتهد ويراد أن له الملكة المذكورة وعرفه البهائي بهذا الاعتبار بأنه ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعي الفرعي من الأصل فعلا أو قوة قرينة فالملكة جنس يشمل سائر الملكات قال الشارح الجواد يخرج بقيد الملكة المستنبط لبعض الاحكام عن أدلتها بالفعل من غير أن يصير ذلك ملكة بل كان حالا ولا يخفى أن إطلاق القيد على الملكة ونسبة الاخراج إليه وجعل المخرج المستنبط المخصوص تعسف وخرج بقوله يقتدر إلى الحكم الملكة التي يقتدر بها على استنباط غير الحكم ثم إن قلنا بجواز التجزي في الاجتهاد فالوجه أن يجعل اللام للجنس وإلا فللاستغراق والعجب من الشارح المذكور أنه عين اللام للجنس ليدخل المتجزي مع أنه صرح أولا باعتبار الملكة في الاجتهاد وعدم العبرة بالحال مع مناسبة الحال لمرتبة المتجزي و الفرق بين الملكة والحال أن الملكة قوة راسخة يعسر زوالها و الحال قوة يسهل زوالها وخرج بقيد الشرعي الحكم العقلي وشبهه و بالفرعي الأصلي وبقوله من الأصل الحكم الضروري قال الشارح المذكور وبالقوة القرينة يدخل من له تلك الملكة من غير أن يستنبط بالفعل بل يحتاج إلى زمان إما لتعارض الأدلة أو لعدم استحضار الدليل أو للاحتياج إلى التفات انتهى أقول لم يكن ذلك خارجا حتى يحتاج إلى القيد المذكور ولادخاله بل التحقيق أن التقييد بقوله فعلا مستدرك لان ذلك مأخوذ في معنى الاستنباط وبقوله أو قوة قريبة مفسد للحد لان الاستنباط بالقوة القريبة معناه القوة القريبة
(٣٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 383 384 385 386 387 388 389 390 391 392 393 ... » »»