الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٦٦
لا يقتضي بإثبات التكليف وإهمال الأصل بل لا بد من قيام دليل على الاشتغال كما مر وليس من شرط التمسك بالأصل العلم أو الظن بعدم النص مطلقا بل يكفي الظن بانتفاء نص يدل عند العامل به على خلاف حكم الأصل بالصراحة أو الظهور فلا يقدح وجود نص لا يدل عليه بإحدى الدلالتين ثم لا ريب في ثبوت التعزير في الموارد المذكورة من جهة الاثم حيث يتحقق والترديد بينه وبين الضمان لا وجه له وسقوط حكم الأصل بالنسبة إلى التعزير لقيام دليله لا ينافي اعتباره في نفي الضمان حيث لا دليل عليه إذ ليس أحدهما منوطا بالآخر وقد عرفت أن أدلة أصل البراءة من العقل والنقل معلومة التناول لكل مقام لا دليل فيه على الاشتغال فلا وجه لمنع شمولها لمثل هذه الواقعة وقد مر أن أخبار التوقف لا تنافي أدلة أصل البراءة المفيدة للبراءة الظاهرية لأنها محمولة على التوقف عن الحكم الواقعي أو قبل الفحص والفرق في إعمال الأصل بين صورة تضرر الغير به و عدمه مع تسليم عدم ما يدل على الاشتغال مما لا وجه له لعموم أدلته للمقامين ودعوى أن اشتغال ذمة الضار مما هو مركوز في الطباع فاسدة لأنه إن أراد بها طباع العقلا أو أهل الشرع فواضح خلافه ومع تسليمه فلا وجه للتوقف وإن أراد طباع أهل العرف فهو مما لا عبرة به فلا يصلح وجها لمنع إعمال الدليل المعتبر ثم لا يذهب عليك أن تقييده التضرر بالمسلم مما لا وجه له لعموم أدلة الضمان له ولغيره ولعله تمثيل وأما الشرط الثالث فمتجه كما عرفت لكن لا وجه لتخصيصه الاشتراط بالجز بل يجري في الشرط والمانع أيضا كما مر وأما ما استدل به على نفي جزئية ما شك في جزئيته من دلالة النص المبين للاجزاء عليه فغير مفيد بالنسبة إلى غير الجز و لا بالنسبة إليه عند انتفاء الدلالة ولو من جهة المعارض كما أشرنا إليه سابقا فصل الاستصحاب هو عبارة عن إبقاء ما علم ثبوته في الزمن السابق فيما يحتمل البقاء فيه من الزمن اللاحق فالمراد بالموصولة ما يتناول الامر الثابت بالحس كالرطوبة أو بالعقل كالبراءة حال الصغر أو بالشرع كالوجوب و التحريم والصحة والبطلان وأخواتهما وما يقال من أن الاستصحاب لا يجري في الاحكام الطلبية فكان المقصود عدم حجيته فيها وهو تخصيص في الحكم لا في العنوان إلا أن يكون مراده الاستصحاب المعتبر عنده والمراد بمعلومية ثبوته ما يعم معلوميته بحسب الظاهر والواقع فإن الاحكام الثابتة بحسب الظاهر قد تستصحب كالأحكام الثابتة بحسب الواقع فيدخل فيه ما قطع بثبوته في زمان ثم شك في ثبوته في ذلك الزمان وإن كان المختار عدم حجية الاستصحاب هنا وذلك لان العمل بالمقطوع به أمر معلوم حال الشك من جهة القطع به وإن لم يكن في نفسه معلوما فدخوله في الحد بالاعتبار الأول دون الأخير وباحتمال البقاء احتماله واقعا و ظاهرا مع قطع النظر عن وجوه حجية الاستصحاب فلا يرد أنه إن اعتبر البقاء بالقياس إلى الواقع انتقض طرد الحد بما علم عدم بقائه ظاهر الامارة معتبرة فإن الاستصحاب لا يطلق عليه عرفا وإن اعتبر بالقياس إلى الظاهر فهو معلوم لأدلة الاستصحاب ويدخل فيه مشكوك البقاء ومظنونه وموهومه ويخرج مقطوع البقاء وعدمه لخروجه عن مورد الاستصحاب أما في جانب العدم فواضح وأما في جانب البقاء فلثبوته حينئذ باليقين لا بالاستصحاب لاختصاص مورده عقلا ونقلا بصورة عدم العلم بالبقاء لكن يشكل بأن هذا إنما يتم فيما علم بقاؤه واقعا فإن ما علم بقاؤه في الظاهر بغير دليل الاستصحاب قد يستند فيه إلى الاستصحاب وأيضا هو متداول بين الفقهاء ودفع هذه الوصمة عن الحد لا يخلو من ارتكاب تعسف أو تمحل هذا وبعضهم أبدل الاحتمال بالظن لزعمه أن حجيته من حيث إفادته للظن وسننبه على ما فيه ثم تفسير الاستصحاب بالابقاء مما لا ينافي البحث عن صحته ولا لعده من الأدلة أما الأول فلان الابقاء عبارة عن الحكم بالبقاء فيرجع البحث عن صحته إلى صحة الحكم المذكور و هو مما لا غبار عليه وأما الثاني فلانه مما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه بملاحظة ما يدل على صحته إلى معرفة الحكم الفرعي بعد إثبات كونه مندرجا تحت عنوانه ومن هنا يتبين أن الاستصحاب الذي يتعلق غرض الأصولي بالبحث عن حجيته إنما هو الاستصحاب الموصل إلى معرفة الحكم الشرعي وتعميم البحث إلى غيره استطرادي مراعاة لعموم الأدلة واعلم أنه ينقسم الاستصحاب باعتبار مورده إلى استصحاب حال العقل والمراد به كل حكم ثبت بالعقل سواء كان تكليفيا كالبراءة حال الصغر وإباحة الأشياء الخالية عن أمارة المفسدة قبل الشرع وكتحريم التصرف في مال الغير و وجوب رد الوديعة إذا عرض هناك ما يحتمل زواله كالاضطرار و الخوف أو كان وضعيا سواء تعلق الاستصحاب بإثباته كشرطية العلم لثبوت التكليف إذا عرض ما يوجب الشك في بقائها مطلقا أو في خصوص مورد وبنفيه كعدم الزوجية وعدم الملكية الثابتين قبل تحقق موضوعهما وتخصيص جمع من الأصوليين لهذا القسم أعني استصحاب حال العقل بالمثال الأول أعني البراءة الأصلية مما لا وجه له وإلى استصحاب حال الشرع والمراد به كل حكم تكليفي أو وضعي ثبت بمستند سمعي سواء كان إجماعا ويقال له استصحاب حال الاجماع أو غيره كالضرورة والكتاب والسنة وذلك كاستصحاب وجوب المضي في الصلاة التي تلبس بها المتيمم فأصاب الماء في أثنائها و إلى استصحاب حال اللغة والمراد بها ما يعم العرف بأنواعه كما إذا ثبت للفظ حقيقة في اللغة وشك في زوالها بالنقل وإلى استصحاب حال الأمور العادية كحياة الغائب ورطوبة الثوب فهذه أقسام أربعة و أما استصحاب حكم الدليل فراجع إلى استصحاب حال العقل من عدم حدوث النسخ فيما يحتمل النسخ وعدم
(٣٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 361 362 363 364 365 366 367 368 369 370 371 ... » »»