الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٦٥
المجتهد الذي لم يعثر بما يدل على الخلاف بعد الفحص المعتبر ولا يعتبر فيها غير ذلك وأما بالنسبة إلى الموضوعات العادية فهي معتبرة فيها في حق الجميع مطلقا وإن توقف اعتبار المقلد لها على الرجوع إلى فتوى المجتهد واشترط بعضهم في حجيتها أمورا أخر الأول أن لا يكون إعمال الأصل مثبتا لحكم شرعي من جهة أخرى و ينبغي أن يريد به الحكم المخالف للأصل وذلك كأن يقال الأصل عدم وجوب الاجتناب عن أحد المشتبهين أو عدم بلوغ الماء الملاقي للنجاسة كرا أو عدم تقدم الكرية حيثما يعلم بحدوثها على ملاقاة النجاسة فإن إعمال الأصول الثلاثة في هذه الموارد يوجب إثبات حكم شرعي من وجوب الاجتناب عن الاخر أو الملاقى أو النجاسة الثاني أن لا يتضرر بإعمالها مسلم كما لو فتح إنسان قفس طائر فطار أو حبس شاة فمات ولدها أو أمسك رجلا فهربت دابته فإن إعمال أصل البراءة فيها يوجب تضرر المالك فيحتمل اندراجه في قاعدة الاتلاف وفي عموم قوله عليه السلام لا ضرر ولا ضرار فإن المراد نفي الضرر من غير جبران بحسب الشرع وإلا فالضرر غير منفي فلا علم حينئذ ولا ظن بأن الواقعة غير منصوصة فلا يتحقق شرط التمسك بالأصل من فقدان النص بل يحصل القطع بتعلق حكم شرعي بالضار ولكن لا يعلم أن مجرد التعزير أو الضمان أو هما معا فينبغي له تحصيل العلم بالبراءة ولو بالصلح وللمفتي الكف عن تعيين الحكم إذ جواز التمسك بأصل البراءة في مثل هذه الصورة غير معلوم فيشملها عموم قوله عليه السلام إذا جاءكم ما لا تعلمون فها ووضع يده على فيه إلى آخر الحديث ثم أورد على نفسه بأن الرواية كما تدل على المنع من الحكم في صورة الضرر كذلك تدل عليه في غيرها وأجاب بأنه في صورة عدم الضرر يلزم تكليف الغافل وهو قبيح ويدل عليه مثل قوله عليه السلام ما حجب الله تعالى علمه عن العباد فهو موضوع عنهم بخلاف صورة الضرر إذ كون التكليف حينئذ تكليف الغافل غير معلوم لعلم الضار بصيرورته سببا لاتلاف مال محترم واشتغال ذمته حينئذ في الجملة مما هو مركوز في الطباع الثالث أن لا يكون جز عبادة مركبة بل كل نص بين فيه أجزأ ذلك المركب كان دالا على عدم جزئية ما عداها فيكون عدم جزئية المختلف فيه حينئذ منصوصا لا معلوما بالأصل أقول أما الشرط الأول فهو على إطلاقه غير مستقيم بل الوجه فيه أن يفصل بين ما إذا كان أحدهما واردا على الاخر وبين غيره فيسلم ما ذكره في القسم الثاني دون القسم الأول إذ يتعين فيه تحكيم الوارد وضابطه أن يكون من حكم أحدهما شرعا رفع الاخر من غير توسط أمر عقلي أو عادي دون العكس كما لو وجد بعد دخول الوقت ماء مستصحب الطهارة فإن قضية عدم وجوب الاجتناب عنه وجوب الطهارة به بل ووجوب الصلاة أيضا إذا فرض تعذر طهور وغيره ولا إشكال فيه وكذا لو ملك مالا كثيرا وشك في كونه مديونا بدين يستغرقه فإن أصالة برأته من الدين يثبت عليه الأحكام التكليفية المتعلقة بالمال من وجوب الحج و الانفاق على من يجب عليه نفقته وقد مر التنبيه على وجه ذلك مضافا إلى ما سيأتي وما ذكره من مثال المشتبهين فمن القسم الثاني إذ ليس قضية أحد الأصلين فيه إثبات وجوب الاجتناب عن الاخر إلا بواسطة أمر غير شرعي وهو تعيين ملاقاة النجاسة إياه فلا سبيل إلى إثباته بالأصل ليتفرع عليه حكمه الشرعي بل ولا سبيل إلى التمسك بشئ منهما بعد العلم بارتفاع أحدهما كما يأتي ومما ذكرنا يتضح الحال في المثالين الأخيرين أيضا فإن الماء المشكوك في كريته قد يكون معلوم الكرية بحسب الزمن المتقدم على الشك ويكون الشك في نقصان شئ منه أو نقصان ما يزيد على القدر المعلوم زيادته على الكر وإن علم بنقصان ذلك المقدار وحينئذ فلا إشكال في اعتبار أصالة بقاء الكرية وتحكيمه على سائر الأصول وقد يكون معلوما عدم كريته بحسب زمن المتقدم على الشك ويكون الشك من جهة احتمال الزيادة ولا إشكال هنا أيضا في تحكيم أصالة عدم الكرية على أصالة عدم النجاسة وعدم وجوب الاجتناب عنه كما عرفت فيحكم بنجاسته بالملاقاة وأما إذا علم بحصول الكرية ووقوع النجاسة وشك في المتقدم فهنا قد يكون تاريخ أحدهما معلوما دون الاخر فيحكم بأصالة تأخر المجهول بمعنى عدم ثبوته في زمان يشك في ثبوته فيه إذ لا علقة بين الحادثين فيشمل زمن العلم بحصول الاخر فيلحقه حكمه من الطهارة والنجاسة ولا إشكال في تحكيم هذا الأصل على أصالة عدم النجاسة وقد يجهل التاريخان بالكلية وقضية الأصل في ذلك التقارن ومرجعه إلى نفي وقوع كل منهما في زمن يحتمل عدم وقوعه فيه وهو يقتضي ورود النجاسة على ما هو كر حال الملاقاة فلا ينجس به وكذا لو علم عدم الكرية وشك في تقدم النجاسة و مقارنتها لها وأوضح من ذلك ما لو علم بعدم تقدم النجاسة وشك في مقارنتها وتأخرها أو علم بعدم المقارنة وشك في المتأخر منهما لسلامة أصل الطهارة عن المعارض ولا يتوهم أن قضية اعتبار التأخر في مجهول التاريخ هنا يوجب تطرق مثله في مسألة من علم بوقوع حدث وطهارة منه وشك في المتأخر منهما فينبغي أن يحكم فيها بالطهارة مع العلم بتاريخ الحدث دون الطهارة مع أنه مخالف لظاهر الأصحاب لوضوح الفرق بين المقامين فإن الحكم الشرعي المترتب على أصالة التأخر هنا لا يتوقف على توسط أمر عقلي أو عادي بل يتفرع عليه ابتدأ فيصح إثباته بالأصل بخلاف مسألة الطهارة والحدث فإن قضية أصالة تأخر الطهارة فيها عدم وقوعها في الزمن الذي يشك في وقوعها فيه وهو لا يقتضي إثبات وقوعها في الزمن المتأخر إلا بواسطة أمر عادي وهو العلم بوقوع الطهارة منه فيكون من الأصول المثبتة الغير المعتبرة كما نبهنا عليه وأما الشرط الثاني ففيه أن احتمال الاندراج في عموم ما يقتضي التكليف لا
(٣٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 360 361 362 363 364 365 366 367 368 369 370 ... » »»