الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٦٠
فإن كان الجهل في تحققه عول فيه على ما يقتضيه الأصل في غير ما استثني كالبلل الخارج قبل الاستبراء وإن كان في تعيينه ثبت التكليف في المحصور فيجب الاجتناب عن الجميع في الحرام المشتبه بغير الواجب والآتيان بالجميع في الواجب المشتبه بغير الحرام و سقط في غير المحصور ولو اشتبه مصداق الواجب بالمحرم وتعذر التمييز رجح جانب الاسم ولو تعارضت الامارات الشرعية في تعيين المصداق كتصادم الأيدي والبينات فلتفصيل الكلام فيه محل آخر إذا عرفت ذلك تبين أن حكم الشك في وجوب الظهر والجمعة و القصر والاتمام الراجح إلى جهل الحكم مخالف لحكم الشك في تعيين الفائتة الراجع إلى جهل المصداق كما هو محل البحث قوله و الأصل عدم وجوب التعيين إلخ إن أراد به نفي وجوب قصد التعيين فهو مناف بظاهره لما أورده على القائلين بوجوب الاحتياط من اشتراطه في الامتثال مطلقا وإن أراد به نفي تعيين أحدهما عليه بالخصوص قبل الاختيار فهو مخالف للأصل كما عرفت وإنما دليل ثبوته أخبار التخيير وإن أراد ذلك بعد الاختيار ففيه أن التخيير إنما هو في الاختيار لا في الفعل فإذا اختار العمل بأحد الدليلين لزمه مقتضاه ولا تخيير بين المدلولين وأما عن الثاني فبأن إشكال التشريع يرتفع بحكم العقل بالمطلوبية من جهة توقف تحصيل العلم الواجب بفعل الفائتة على فعل غيرها لما حققناه في محله من وجوب مقدمة الواجب إذ لا ريب في كون تحصيل العلم بفعل الواجب واجبا وإن كان غيريا إذ الواجب النفسي بحسب التكليف الظاهري ما يعلم أنه الواجب النفسي ولو إجمالا فيتوقف وجوده على تحقق العلم ضرورة أن وجود المقيد يتوقف على وجود قيده ويلزم من ذلك وجوب ما يتوقف عليه العلم لان مقدمة المقدمة مقدمة فتجب بوجوبها وليس العلم مقدمة للاتيان بما هو واجب واقعا لأحكامه بدونه ولا واجبا نفسيا و إلا لكان تارك كل واجب تاركا لواجبين وأما الاعتذار الذي ذكره عما صار إليه من استحباب الاحتياط فلا يجري في المقام لتوقف رجأ تحصيل المصلحة بفعل الباقي على قصد القربة فيتوجه إليه إشكال التشريع فلا يتم قوله فإذا ثبت خلوه عن التحريم إلخ وبالجملة هناك أمران أحدهما أن الاتيان بالفعل رجأ لتحصيل المصلحة الواقعية جائز خال عن وصمة التشريع والثاني أنه كلما كان الفعل كذلك فهو مستحب للوجوه التي ذكرها ونحن نمنع صحة الصغرى بالنسبة إلى العبادات الموظفة التي لم يثبت رجحانها ثم الاعتذار المذكور لا يختص بالقول بالاستحباب بل يجري على القول بالوجوب أيضا إذ القائل بوجوب الجميع لا يقول بوجوب الاتيان بكل واحد على أنه من الدين واقعا بمعنى أنه الواجب النفسي واقعا بل لاحتمال كونه هو وأما ما احتج به على إثبات الاستحباب فغير واضح إذ على اعتبار قصد التعيين في الطاعة واعتبارها في العبادة يمتنع تحقق المصلحة الواقعية المترتبة على العبادة عند عدم قصد التعيين اللازم في صورة الاشتباه فكيف يثبت الاستحباب باعتبار تحصيلها حينئذ مع أنه لو حصلت بدونه لكان قضية الأصل وجوب الاتيان بالجميع لتحصيلها فلا وجه للاستحباب إلا أن يكون مبنى ذلك على احتمال عدم اعتبار قصد التعيين مع استظهار خلافه لكن يشكل بأنه إن أريد بالاتيان بالباقي تحصيل تلك المصلحة فظاهر أنه لا يستلزمها لجواز حصولها بالأول وإن أريد به تحصيل العلم أو الظن بحصولها فهو لا يتم مع استظهار اعتبار قصد التعيين وأما الاحتجاج بالآية فضعفه واضح لان معنى الحسنة ما كانت حسنة بالفعل لا ما كان من شأنه أن يكون حسنة وإن اعتراه ما صيره سيئة بالفعل فلا يتناول الاتيان بالواجب الواقعي بعد صيرورته بحسب الظاهر حراما تشريعيا بسبب النية و طرد الاشتباه وبالجملة شمول الآية لفعل الواجب الواقعي يتوقف على ثبوت رجحانه في الظاهر فإذا توقف ثبوت رجحانه في الظاهر على شمول الآية له كما هو قضية الاستدلال بها كان دورا مع أن تحقق الواجب الواقعي في فعل الباقي مبني على مجرد الاحتمال والحكم اللاحق في الآية لعنوان الحسنة إنما يثبت في الظاهر لحوقه لما علم اندراجه فيها لا لما احتمل فيه الاندراج ومثله الاحتجاج بالرواية فإن كون الاتيان بالباقي مما لا يراب فيه في محل المنع بناء على اعتبار قصد التعيين وأما ما ذكره من مسألة إعادة ما حكم شرعا بصحته فتحقيق الكلام فيه أن الاحتياط كما قد يجب وله موارد عديدة كذلك قد يستحب وله أيضا موارد عديدة منها أن يشتبه المندوب بالمباح فيستحب الاتيان بهما عند تعذر التعيين أو تعسره تحصيلا للعلم المندوب بإتيان المندوب كما مر في الواجب ولو تيسر التعيين فإن لم يكن الفعل من العبادات المجعولة لم يبعد جواز الاتيان بهما قصدا إلى حصول الامتثال بفعل ما هو مندوب منهما إذ لا دليل على اشتراط تعيين المطلوب في الامتثال هنا فيقع كل منهما على وجهه وإلا اتجه المنع ثم العبرة في صورة الحكم بالاستحباب باشتباه فرد نوع من المندوب بالمباح مع تعذر تحصيل فرد آخر منه سالم عن الاشتباه به أو بثبوت الاستحباب التعيني في الجميع وإلا اتجه المنع ومثله الكلام في الواجب ولو اشتبه أحد فردي المطلوب التخييري بغير المطلوب ولم يشتبه الاخر تعين إن كان عبادة ومنها الاتيان بما يحتمل وجوبه عند عدم احتمال التحريم مع دلالة دليل معتبر ولو ظاهرا على عدم الوجوب سواء احتمل وجوبه استقلالا كغسل الجمعة أو في ضمن واجب كقراءة السورة وجلسة الاستراحة عند من ترجح عدم وجوبها فيستحب الاتيان بهما من جهة الاحتياط تحصيلا ليقين البراءة من جهتهما ومنها ترك ما يحتمل تحريمه عند عدم احتمال الوجوب مع قيام دليل معتبر ولو ظاهرا على عدم التحريم كالدخول في سوم المؤمن و
(٣٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 365 ... » »»