أن الضمير راجع إلى المجهول المضاف إلى الشئ المقيد بالقيد المذكور ففاسد لعدم سبق ذكره وإن أراد إضمار المجهول المضاف إلى ضمير الشئ المذكور فحذف المضاف وأبدل الضمير المجرور بالمرفوع ليقوم مقامه ففاسد أيضا لأنه إضمار بتكلف بعيد بل غير سديد من غير قرينة ولا ضرورة محوجة وبهذا يظهر الجواب عن الثالث إذ لزوم أخذ المفهوم سالبة منتفية الموضوع إنما يتم إذا كان المعنى فمجهوله حلال وقد عرفت بطلانه مع أنا لا نسلم أن للكلام المذكور مفهوما لأنه إن كان باعتبار التقييد بالوصف فقد حققنا سابقا عدم دلالته عليه وإن كان باعتبار تضمين الجملة معنى الشرط فممنوع ولو سلم فالمفهوم قد يلغى عند عرائه عن الفائدة أو قيام دليل على خلافه نعم قول المستدل ليس الغرض من ذكر هذا الوصف مجرد الاحتراز بل هو مع بيان ما فيه الاشتباه يدل على اعتباره للمفهوم بالنسبة إلى غير معلوم الحلية فإن محصله أن تقييد الشئ بكونه محتملا للحرمة والحلية احترازي بالنسبة إلى الأعيان و الافعال التي لا يمكن اتصافها بأحدهما وما ثبت أنه حرام لا حلال فيه فإن إخراج هذه الثلاثة بالقيد المذكور عن العنوان للاحتراز عن لحوق الحكم المذكور لها وبياني بالنسبة إلى ما علم أنه حلال لا حرام فيه فإن إخراجه ليس للاحتراز عن لحوق الحكم له بل البيان كون المقصود بالبيان وهو مشتبه الحرمة والحلية فيبتني اعتباره للمفهوم بالنسبة إلى الثلاثة الأول على أحد الوجهين المتقدمين لكن لا يلزمه كون المفهوم سالبة منفية الموضوع كما عرفت ثم النكتة التي ذكرها في الشبهة من حيث الموضوع جارية في الشبهة من حيث الحكم والتفرقة المذكورة مجازفة واضحة ولئن سلم اختصاصها بالأول فجريانها فيه كاف في حسن التقييد إذ لا يلزم أن يكون للقيد فائدة بالنسبة إلى جميع أفراده مقيدة فإن قولنا بدلالة الرواية على الحل في مشتبه الحكم لا يوجب تخصيصها به بل يمكن تعميمها إليه و إلى مشتبه الموضوع وعلى تقدير تخصيصها بالأخير فلا مندوحة عن إشكال الضمير بناء على ما ذكره فيه إلا بالمنع من كون القيد لإفادة الاشتباه فيعم العنوان المشتبه وغيره والمنع عن ثبوت المفهوم كما مر وهذا كما ترى يأتي على تقدير تنزيلها على مشتبه الحكم أيضا إلا أن المستدل لم يجر بيانه على هذا وأما الرابع فلان المراد بالمعرفة المعرفة المعتبرة سواء كانت واقعية أو ظاهرية وبعبارة أخرى سواء كان علما أو مؤدى أمارة شرعية غاية ما في الباب أن يختص كل نوع من العنوان بنوع من المعرفة وهذا لا يوجب استعمال اللفظ في معنيين بل في معنى ثالث متناول لهما احتج القائلون بالتحريم بما رواه في الكافي عن عمر بن حنظلة عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم وجه الدلالة أن كل مجهول الحكم شبهة فيحرم بنص الرواية والجواب أن الرواية المذكورة على تقدير سلامة سندها محمولة على ارتكاب المشتبه قبل الرجوع إلى المدارك الشرعية عند إمكان الرجوع إليها جمعا بينها و بين ما مر من الاخبار المعتضدة بمرجحات عديدة ويمكن حملها على رجحان التجنب عن ارتكاب الشبهة ولو بعد الرجوع إلى المدارك أو على الشبهة في الموضوع مع الانحصار على ما سيأتي أو على الأعم منه ومن القسم الأول وفيه بعد وربما يشكل حملها على رجحان التجنب بطريق الاستحباب أو على الشبهة في الموضوع ورودها في مقبولة عمر بن حنظلة في مساق لا يساعد على شئ من ذلك فإنه عليه السلام بعد أن ذكر فيها جملة من وجوه ترجيح أحد الخبرين المتعارضين على الاخر وذكر فيها الاخذ بالمشتهر وترك الشاذ النادر معللا بأن المجمع عليه لا ريب فيه قال وإنما الأمور ثلاثة أمر بين رشده فيتبع وأمر بين غيه فيجتنب وأمر مشكل يرد علمه إلى الله ورسوله صلى الله عليه وآله قال رسول الله صلى الله عليه وآله حلال بين الحديث فإن سياق الرواية يأبى من حمل ترك الشبهات على الاستحباب لوجوب الاخذ بمقتضى التراجيح ومن حملها على الشبهات من حيث الموضوع إذ لا تعلق له بمحل السؤال وأما ما ذكره بعض المعاصرين من أن مراده من ذكر هذا الحديث بيان وجه المنع فإنه إذا كان احتمال الوقوع في الحرام موجبا لكراهة الارتكاب في المشتبه فمخالفة معلوم الحق المجمع عليه مما لا بد أن يكون حراما فإن تم نهض بدفع الاشكال عن المقامين لكنه بمكان من البعد وأبعد منه حمل الشبهات على مثل الشاذ النادر لان المجمع عليه أعني المشتهر إذا كان من باب من الرشد كان الشاذ النادر بحكم المقابلة من باب بين الغي لا من باب المشكلات والشبهات والتحقيق أن مراده عليه السلام أن الحكم المستفاد من الرواية التي يشهد بجواز العمل بها المرجح المعتبر كالمرجحات المذكورة في الرواية من باب بين الرشد ولو بحسب الظاهر وأن العمل بها كذلك وأن الحكم المستفاد من الرواية الفاقدة له مع معارضتها لما اشتمل عليه من باب بين الغي ولو بحسب الظاهر وأن العمل بها كذلك وأن المستفاد من رواية لا علم للعامل بها بأنها من أي النوعين لجهله بحكم المرجح من المشكلات التي يجب الرد فيها إلى الشارع وأن العمل بها كذلك وعلى هذا فالظاهر من الحلال البين والحرام البين ما تبين جواز العمل به وعدم جوازه وبالشبهات ما لم يتبين فيه شئ منهما وحينئذ فلا كلام في وجوب التجنب عن الشبهات بهذا المعنى ويمكن حمل الرواية على الشبهة في الموضوع ويكون الاستشهاد بها باعتبار المناسب والتقريب هذا و أجاب عنها بعض المعاصرين تارة بأنها إنما تدل على حرمة استيعاب جميع الشبهات وهو غير محل النزاع وأخرى بأن مجهول الحكم وإن كان شبهة من حيث الخصوصية لكنه معلوم الحكم من حيث العموم لأدلة البراءة وكلا الوجهين ضعيف أما الأول فلان المفهوم من لفظ الشبهات في الرواية جنس الشبهة
(٣٥٤)