الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣١٢
وإليها المرجع وكان جماعة من الأصحاب يعملون بشرائع الصدوق عند إعواز النص فإن الوجه في ذلك ما ذكرناه وأيضا مأخذ جملة من فتاوى القدماء التي لا دليل عليها ظاهرا موجود فيه فيظهر أنه كان مرجعهم في تلك الفتاوى ومستندهم فيها فيسقط عنهم ما أورده المتأخرون عليهم من عدم الدليل عليها وأيضا نقل بعض الأعاظم أنه وجد نسخة من هذا الكتاب بين الكتب الموقوفة على الخزانة الرضوية قد كتب عليها أن الإمام علي بن موسى الرضا صنف هذا الكتاب لمحمد بن مسكين وأن أصل النسخة وجدت في مكة المشرفة بخط الإمام عليه السلام وكان بالخط الكوفي فنقله المولى المحدث محمد إلى الخط المعروف ونقل عن بعض أجلا أصحابنا أنه قال في رجاله الموضوع لذكر العلماء المتأخرين عن الشيخ الطوسي رحمه الله ما لفظه السيد الجليل محمد بن أحمد بن محمد الحسيني صاحب كتاب الرضا عليه السلام ثقة قال والظاهر أن المراد بكتاب الرضا عليه السلام هو هذا الكتاب وبكونه صاحبه انتهاء إجازة الكتاب إليه وإلا فهو من أصحابنا المتأخرين الذين لم يدركوا أعصار الأئمة عليهم السلام هذا ومما يبعد كونه تأليفه عليه السلام عدم إشارة أحد من علمائنا السلف إليه في شئ من المصنفات التي بلغت إلينا مع ما يرى من خوضهم في جمع الاخبار وتوغلهم في ضبط الآثار المروية عن الأئمة الأطهار عليهم السلام بل العادة قاضية بأنه لو ثبت عندهم مثل هذا الكتاب لاشتهر بينهم غاية الاشتهار ولرجحوا العمل بها على العمل بسائر الأصول والاخبار لما يتطرق إليها من احتمال سهو الراوي أو نسيانه أو قصوره في فهم المراد أو في تأدية المفهوم أو تقصيره أو تعمد الكذب لا سيما مع تعدد الوسائط وسلامة الكتاب المذكور عن ذلك ولبعد ما فيه عن التقية بخلاف غيره مع أن الصدوق قد جمع في كتاب العيون جميع ما وقف عليه من الاخبار و الآثار المروية عن الرضا عليه السلام فلو كان قد عثر على الكتاب المذكور لنقله ولو منعه عنه طول الكتاب لنبه على وجوده واكتفي بذكر بعض صفاته مضافا إلى شواهد أخر في نفس الكتاب يؤكدا الظن بما ذكرناه منها أن أكثر عبارات الكتاب المذكور مما لا يشتبه بعبارة الامام كما لا يخفى لمن تأملها ومنها إكثاره من قول روي وأروي عن العالم ورويت من العالم وهذا مما لم يعهد في كلامه عليه السلام في غير الكتاب المذكور ولا في كلام غيره من سائر الأئمة عليهم السلام ومنها اشتماله على نقل أخبار متعارضة في موارد عديدة من غير إشارة إلى طريق الجمع بينها ولا إلى ما هو الحق منها والصواب ولا إلى أنه مما يجوز الاخذ بكل منهما من باب التسليم فيستفاد منه قاعدة كلية أفيد من بيان ما هو المعتبر في خصوص الواقعة وذلك كقوله فاغسل ثوبك منه يعني من الحيض ومن البول والمني قل أم كثر وأعد منه صلاتك علمت به أو لم تعلم وقد روي في المني إذا لم تعلم به من قبل أن تصلي فلا إعادة عليك وكقوله وروي في دم الدماميل يصيب الثوب والبدن أنه قال يجوز الصلاة فيه وروي أنه لا يجوز و كقوله في الأضحية وتجزي البقرة عن خمسة وروي عن سبعة و روي أنها لا تجزي إلا عن واحد إلى غير ذلك ومنها أنه قال في باب القدر سألت العالم عليه السلام أجبر الله العباد على المعاصي فقال الله أعز من ذلك فقلت له ففوض إليهم فقال هو أعز من ذلك فقلت له فصف لنا المنزلة بين المنزلتين إلخ ولا خفاء في أن مثل هذا السؤال مما يبعد صدوره عن الإمام عليه السلام وأما الوجوه التي يتمسك بها على أنه تأليفه عليه السلام فمع ضعف بعضها في نفسه غير صالحة لمعارضة ما قدمناه إذ قطع واجد النسخة بالخطوط التي شاهدها عليها بأنه من تأليفه عليه السلام موهون بتباعد العصر وعدم معهودية خط أرباب تلك الخطوط وقرب أمر التدليس إليه ولو سلم فوجود خطه عليه السلام في موضع من الكتاب لا يوجب كون الكتاب بتمامه تأليفه لا سيما مع احتمال الالحاق وإجازة الرواية لا يوجب الاعتماد على الكتاب كما يعرف من طريقتهم في الإجازة وقوله في أول الكتاب يقول علي بن موسى الرضا أما بعد إلى آخر الحديث غير صريح فيما ظن لجواز أن يكون مؤلف الكتاب قد سمع الحديث المذكور منه عليه السلام أو وجده بخطه فنقله عنه محافظا على كلمة أما بعد الموجودة في كلامه عليه السلام لمناسبتها لأول الكتاب ولا يلزم التدليس لذكره بعد ذلك ما يصلح قرينة على عدوله بعد ذلك الحديث إلى نقل أحاديث أخر بقوله ويروى عن بعض العلماء وقوله بعد ذلك وأروي ونحو ذلك مما يدل على أن الاسناد المذكور مقصور على الحديث الأول وقوله ضرب جدنا يحتمل أن يكون من تتمة قول أبي عبد الله عليه السلام المتقدم ذكره ولو سلم كونه من كلام المؤلف فاللازم منه كونه علويا لا إماما وقوله روي عن أبي عبد الله عليه السلام لا دلالة على كونه موسى بن جعفر إذ لا يختص الرواية عنه به وقوله أروي عن أبي العالم يحتمل أن يكون بزيادة الياء من أبي أو بحذف عن عن العالم و مثل هذا التصحيف غير بعيد فيما يتحد فيه النسخة ويحتمل أيضا حمل الأب أو العالم على خلاف ظاهره وحديث اللؤلؤة غير واضح فيما ذكر لان قال بعد ذكره وروي في خبر آخر بمثله لا بأس وقد أمرني أبي ففعلت مثل هذا ولا يبعد أن يكون قوله وقد أمرني أبي من تتمة الرواية مع أنه لا بعد في تعويل راو على قول أبيه كما يشهد به تعويل الصدوق على رسالة أبيه إليه ومما مر يظهر ضعف الاستشهاد بقوله ومما نداوم به نحن معاشر أهل البيت وقوله فتطول يمكن أن يكون من تتمة الرواية السابقة عليه وليس في سوق العبارة ما ينافيه وأن يكون من كلام صاحب الكتاب فلا يدل إلا على كونه هاشميا لتحقق التطول أو الامتنان في حقه أيضا بالنسبة إلى ما يستحقه من الخمس مع احتمال أن يكون التطول والامتنان باعتبار الامر بالاعطاء أيضا فلا يدل على ذلك أيضا وأما مطابقة جملة من عبارات المفيد والصدوقين لما فيه فمما لا دلالة فيها على أخذها من الكتاب المذكور لجواز العكس أو كونهما مأخوذين من ثالث ومثله الفتاوى التي صدرت عن قدماء أصحابنا بلا مستند معلوم مع أن بعض فتاويهم مما لا يوجد مأخذه فيه أيضا وأما ما وجد مكتوبا على النسخة الموقوفة فليس بمعتمد إذ لم يثبت وثاقة الكاتب مع احتمال أن يكون وهما
(٣١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 307 308 309 310 311 312 313 314 315 316 317 ... » »»