المجتهد إنما يجب عليه الفحص مع إمكانه وتجويزه الاطلاع على المعارض لا مطلقا ثم بعد الفحص إن لم نعثر بشئ يخالف الامارة التي وجدها لا يعدل عنها بمجرد احتمال وجوده وإلا لما جاز له العمل بالعام بعد الفحص عن المخصص وعدم الوقوف عليه أيضا و كذا الحال في سائر الأدلة الظنية وقد ذكرنا أن الاعتماد على التعديل هنا إنما يصح مع الفحص وعدم العثور على المعارض أو مع تعذره إذا عرفت هذا فاعلم أن عد بعض الأصحاب لبعض الاخبار صحيحا أو موثقا أو حسنا من هذا الباب فلا يصح التعويل عليه مع إمكان الرجوع والاستعلام ويجوز مع ضيق المجال أو عدم كتاب يستعلم به الحال و قس على ما ذكرنا قول الراوي حدثني صالح أو واقفي ثقة أو من لا يعتد بروايته أو غير عدل أو حكم الفقيه بضعف الرواية فإن الكلام في ذلك كله كالكلام فيما مر فتبصر واعلم أيضا أنه لا يكفي في قبول الرواية قول العدل أو العدلين حدثنا بعض أصحابنا لان مجرد كونه من الأصحاب لا يوجب الاعتماد على روايته وكذا لو قال عن بعض أصحابه والعجب من المحقق أنه مع اشتراطه العدالة في الراوي وقوله بأن التزكية من باب الشهادة فرق بين العبارتين واكتفي بالعبارة الأولى في تعديل الراوي إذا أراد بها كونه إماميا لان إخباره بمذهبه شهادة بأنه من أهل الأمانة ولم يعلم منه الفسوق المانع من القبول ومنع منه في الثانية لامكان أن يريد بها مجرد كونه من الرواة أو من أهل العلم ووجه سقوطه غير خفي على المتأمل فصل قد تداول بين أصحابنا التسامح في أدلة السنن والمكروهات بإثباتهما بالروايات الضعيفة الغير المنجبرة وحمل الاخبار المقيدة للوجوب أو التحريم على الاستحباب أو الكراهة عند ضعف السند و عدم الجابر وخالف في ذلك بعض متأخري المتأخرين فمنع من إثبات الاستحباب والكراهة إلا بما يمكن إثبات الوجوب والتحريم به من الأخبار المعتبرة وربما يظهر من الصدوق وشيخه ابن الوليد ذلك قال الصدوق في كتاب الصوم من الفقيه وأما خبر صلاة غدير خم والثواب المذكور لمن صامه فإن شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد لا يصححه ويقول إنه من طريق محمد بن موسى الهمداني و كان غير ثقة وكلما لم يصححه ذلك الشيخ ولم يحكم بصحته من الاخبار فهو عندنا متروك غير صحيح انتهى والمذهب المشهور هو المنصور ويدل عليه أمران الأول الاحتياط الثابت رجحانه بالعقل و النقل أما الأول فلان الاتيان بالفعل المحتمل للمطلوبية دون المبغوضية لاحتمال المطلوبية وترك الفعل المحتمل للمبغوضية دون المطلوبية لاحتمال المبغوضية راجح عند العقل رجحانا ظاهريا بالضرورة ولا ينافيه احتمال التشريع المحرم لأنه إن قيس الفعل بالنسبة إلى جهة الواقعية فلا إدخال إذ نسبة التشريع إلى الحكم و الفعل سواء فكما أن احتمالنا لدخول شئ في الدين عند الشك في دخوله فيه ليس تشريعا كذلك إتياننا به لذلك الاحتمال ليس تشريعا وإنما التشريع هو الحكم بالدخول أو الاتيان به على أنه داخل وإن كان بالقياس إلى الظاهر فقد عرفت أن العقل قاطع برجحانه الظاهري حينئذ فالادخال بهذا الاعتبار متحقق لكن بعد ثبوت كونه من الدين بدلالة العقل فلا يكون تشريعا أيضا وأما الثاني فلما سيأتي في محله من قوله عليه السلام احتط لدينك وغيره وكما يصدق الاحتياط على المحافظة على فعل الواجب وترك المحرم كذلك يصدق على المحافظة على فعل المندوب وترك المكروه ولو سلم عدم الشمول أمكن تمام القول بعدم الفارق مضافا إلى شمول سائر الأدلة له الثاني وهو المعروف الاخبار منها الصحيح المروي في المحاسن وثواب الأعمال عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله أنه قال من بلغه شئ من الثواب على شئ من الخير فعمله كان له أجر ذلك وإن كان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقله ورواه في الثاني بسند معتبر عن صفوان أيضا ومنها الصحيح المروي في الكافي عن هشام أيضا عنه أنه قال من سمع شيئا من الثواب على شئ فصنعه كان له أجره وإن لم يكن على ما بلغه وفيه أيضا عن محمد بن مروان قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول من بلغه ثواب على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه و وجه الاستدلال أن هذه الأخبار بعمومها تشمل ما إذا كان الخبر ضعيفا وحيث إنها لم تتضمن إلا ترتب الثواب على العمل لم يلزم منها ثبوت وجوب أو تحريم وقد أورد على هذا بوجوه الأول أن الظاهر من هذه الأخبار أن الاعتماد على مطلق الخبر إنما هو في ترتب قدر من الثواب على عمل ثابت الرجحان لا في إثبات أصل الرجحان بدليل قوله في الرواية الأولى على شئ من الخير إذ لا بد من ثبوت خيرية العمل ليحكم باندراج الخبر الضعيف المشتمل على بيان ثوابه في عموم الرواية الدالة على القبول والجواب أن الظهور المذكور إنما يتم في الرواية الأولى حيث اشتملت على لفظ خير مع إمكان أن يقال المراد به ما هو خير بمقتضى التبليغ فيعم وأما الروايتان الأخيرتان فالمذكور فيهما لفظة شئ وعمل وهما تتناولان ما كان ثابت الرجحان وغيره ولا سبيل إلى تقييد الاطلاق فيهما بما في الرواية الأولى إذ لا موجب له فإن ارتكاب التقييد إنما يتجه في مقام الامر دون الاخبار وإن استلزم الامر كما في المقام فإن قلت الرواية الأخيرة ضعيفة وقضية اتحاد الراوي في الرواية الأولى والثانية مع اتحاد المورد أن يتحد متن الرواية فيكون الاختلاف ناشئا من جهة النقل فيتعين الاقتصار على القدر المتيقن وهو الاخذ بمقتضى الرواية الأولى وهي كما مر لا دلالة لها على المقصود قلت ضعف الرواية الأخيرة منجبر بالشهرة واتحاد الراوي والمورد لا يقتضي باتحاد المتن مع اختلاف المتن لجواز التعدد وسماعه عن المعصوم مرتين على الوجهين ولو سلم اتحاد المتن فلا بد أن يكون الاختلاف من جهة نقله بالمعنى فيتعين حينئذ أن يكون الرواية الثانية إما حكاية لقوله صلى الله عليه وآله أو مطابقا لمعناه وإلا كان النقل خطأ لامتناع نقل الخاص بطريق العموم بخلاف العكس حيث يكون العام نصا في شمول الخاص ولا ريب أن نقل الثقة إنما يحمل على الصحيح مع الامكان دون الخطأ الثاني أنها على تقدير تسليم دلالتها على ترتب الثواب على العمل الذي أخبر ترتبه عليه ولو بطريق ضعيف لا تدل على
(٣٠٥)