سابقا حجيته وأما القسم الأخير فليس في نفسه حجة نعم قد ينجبر بمعاضد خارجي كالشهرة فيكون حجة واعلم أن التقسيم الذي أوردناه في المقام ليس باعتبار الواقع بل باعتبار الاعتقاد فالمراد بالأقسام الثلاثة الأول ما يعتقد في حق رجاله الاتصاف بالأوصاف المذكورة وبالقسم الأخير ما لا يعتقد في حقهم كلا أو بعضا ذلك فيدخل ما كان في طريقه المجهول فيه فصل لا بد للراوي من طريق يستند إليه في الرواية فإن كانت الرواية عن المعصوم عليه السلام فله وجوه منها السماع منه مع توجه الخطاب إليه وحده أو مع غيره وهذا أعلاها لسلامته من احتمال الاشتباه والقصور المتطرق إلى ما عداه وفي حكمه ما لو ذكر الرواية للمعصوم فأقره عليها أو عرض مكتوبها عليه فنظر فيه و اعترف بصحته ومنها السماع منه مع كون المخاطب بها غيره وهذا دون الأول لجواز أن يكون بين المتكلم والمخاطب قرائن توجب صرف اللفظ عن ظاهره أو تدل على بعض مراده لم يقف عليها السامع فاقتصر على نقل ما سمعه فأوهم خلاف المراد وإن جاز التعويل على أصالة عدمها ثم هذا يكون على وجهين الأول أن يعلم المعصوم بكونه سامعا الثاني أن لا يعلم به والأول أقوى من الثاني لان علم المعصوم عليه السلام بسماعه ربما يوجب أن ينبهه على المراد إذا لم يساعد اللفظ عليه صونا له عن الاشتباه بخلاف ما لم يعلم به ويجوز للراوي في هذه الوجوه الثلاثة أن يقول قال كذا وفي الأول قال لي كذا أو حدثني وفي الأخيرين سمعته يقول كذا أو ما أفاد ذلك و ربما كان لفظ حدثني أو سمعته يقول أو قال لي أصرح من قوله قال كذا في الدلالة على السماع وأما نحو أمر بكذا أو نهى عن كذا فليس بصريح في السماع ولا ظاهر فيه وإنما هو ظاهر في العلم بالامر و النهي وسيأتي الكلام في حجيته ولو قال أمرني أو نهاني فظاهره السماع ويقول فيما لو أقره على الرواية التي ذكرها له أو اعترف بصحة المكتوب منها ما يدل عليه وكذا الحال في رواية الفعل و التقرير ومنها مكاتبته عليه السلام إليه أو إلى غيره ولا بد من علمه بكون الخطاب خطه عليه السلام ولو بمساعدة القرائن والامارات وليس له حينئذ أن يقول قال أو سمعته يقول بل يقول كتب أو كتب بخطه إلي أو إليه أو ما أشبه ذلك وهذا دون السماع بالوجه الأول قطعا لان الكتاب ربما يتطرق إليه التزوير بخلاف السماع والظاهر أنه دون السماع بالوجه الثاني أيضا وفي رجحان الثالث عليه وجهان ولعل أظهرهما ذلك ومنها العلم بكونه قول الإمام بالنظر إلى قرائن الأحوال وليس له حينئذ أن يقول قال لأنه ظاهر في السماع إلا أن يكون معه قرينة تدل على خلافه كتأخر زمانه عن زمان من يستند إليه القول لكن ليس حينئذ في مجرد قوله قال دلالة على علمه بالقول لجواز كونه رواية متروكة الاسناد اختصارا كما نرى مثله عن الصدوق وغيره ثم على تقدير ثبوت دعواه العلم بالقول ففي جواز الاعتماد على مثل هذا النقل وجهان مبنيان على ما مر في حجيته نقل الاجماع والمختار القبول إلا أنه دون الوجوه السابقة لتطرق الخطأ كثيرا في الحدسيات دون الحسيات ولو ظن قول المعصوم إما من جهة السماع الغير المفيد للعلم بعين اللفظ أو لطريان النسيان فيما سمعه أو لوقوفه عليه في كتاب لا يؤمن عليه من التدوير أو لقرائن غير بالغة حد العلم فلا ريب في عدم جواز التعويل عليه نعم يجوز أن يخرج مؤيدا وكانت الرواية عن غير المعصوم فلتحملها عنه أيضا وجوه منها أن السماع من الشيخ ولا فرق بين روايته له من كتاب أو حفظ وإن كان الأول أقرب إلى الضبط فإن قصده بالسماع ولو مع غيره قال حدثني أو أخبرني أو ما أشبه ذلك وإن قصد غيره خاصة قال سمعته يحدث بكذا ونحوه والسماع على ما صرح به غير واحد منهم على وجوه التحمل لان الراوي أعرف بوجوه ضبط الحديث وبكيفية تأديته من الفصل والوصل والبناء والاعراب وغير ذلك مما يختلف باختلافه المعنى فربما ينبه السامع على الوجه المأثور بكيفية تأديته وهذا الوجه إنما يتضح جريانه فيما إذا كان الراوي متحملا بالسماع وشبهه لا بالإجازة والمناولة ونحوهما و لأنه خليفة المعصوم عليه السلام وسفيره إلى الرعية فينبغي الاخذ منه كالاخذ منه وهذا الوجه لا يقتضي كون السماع أعلى من حيث الحجية بل من حيث كونه أنسب بالتأدب ولأن توجه السامع للحديث إليه أقوى من توجه القاري إليه ولهذا نرى أنه يحفظ السامع ما لا يحفظه القاري ولا يعارضه قرأته من جانب الراوي لان سبق خبرة بالرواية بل تكرر مراجعته إليها أغنى عن اعتبار مزيد توجهه حال الرواية إليها بخلاف المتعلم لها ولصحيحة عبد الله بن سنان قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام يجيئني القوم فيستمعون مني حديثكم فأضجر ولا أقوى قال فاقرأ عليهم من أوله حديثا ومن وسطه حديثا و من آخره حديثا فاقتصاره على قراءة الأحاديث الثلاثة عند العجز يدل على رجحان قراءة الجميع عند عدمه ومنها عرض الحديث على الشيخ وقرأته عليه مع إقراره به وفي حكم الاقرار سكوته الدال عليه بقرائن الأحوال فيقول قرأته عليه فأقر به أو حدثني أو أخبرني قراءة عليه ومنع السيد من الأخيرين لان معنى قوله حدثني وأخبرني السماع فيناقضه قوله قرأته عليه وضعفه ظاهر إذ لا مناقضة له مع المعنى المجازي ومناقضته مع المعنى الحقيقي غير ضائر وإلا لا نسد باب المجاز وأجاز بعضهم حدثني وأخبرني بدون قوله قرأته عليه ويشكل بأن ظاهره حينئذ سماع الحديث فيلزم الكذب إلا أن ينصب قرائن على خلافه فيكون في حكم التقييد ومنها الإجازة وهي الرخصة في رواية الحديث عنه عمن يرويه عنه بقوله أجزت لك أن تروي عني أو ارو عني هذا أو ما أفاد ذلك ثم الإجازة كما قد يكون في كتاب معين مشخص كأن يقول أجزت لك أن تروي عني هذا الكتاب ولا بد حينئذ أن يكون الكتاب مأمونا عليه من الغلط أو التصحيف أو يجيز له الرواية بعد التصحيح أو في كتاب معين غير مشخص كأن يقول أجزت لك أن تروي عني ما صح عندك من كتابي المعهود أو من
(٣١٠)