الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٩٩
لا خفاء في أن التميز بين الرجال مع اشتراكهم بين الثقة وغيره كثيرا ما يتعذر وإلا بإعمال الظنون والامارات كملاحظة الطبقة والبلد وكثرة المصاحبة والرواية وما أشبه ذلك وقد جرت طريقتهم في ذلك على مراعاة هذه الظنون ولم نقف على من يصرح باعتبار خصوص شهادة العدلين أو العدل الواحد في ذلك وصاحب المنتقى مع مصيره إلى أن تزكية الراوي من باب الشهادة وأنه يعتبر فيها التعدد قد عول في تمييز المشتركات على أمارات ضعيفة كما لا يخفى لمن تتبع موارد ذلك في كلامه وذلك ينافي جعل التزكية من أحد البابين فإن اللازم على تقديرهما تعيين الشخص ولو بأحد الطريقين إذ الاعتماد في تعيين الرجل على مطلق الظن وفي تزكيته على شهادة العدلين أو العدل الواحد تكلف صرف وتعسف محض ينفيه ما أصلناه من حجية الظن في الطريق وتأكد الحجة على القول بكونها شهادة بأن علماءنا المعروفين في علم الرجال الذين على أقوالهم التعويل في الجرح والتعديل كالكشي والنجاشي والشيخ لم يعاصروا أكثر الرجال الذين وثقوهم فتعويلهم في تعديلهم وجرحهم غالبا ليس إلا على قول غيرهم فهم إما شهود فرع أو شهود فرع فرع و الشهادة في الثاني مردودة مطلقا وقبولها في الأول مقصور على مواضع ليس المقام منها ودعوى علمهم بعدالتهم بالاخبار المتواترة أو المحفوف بالقرائن العامية أخذا بظاهر كلامهم بما لا يساعد عليه وجدان أولي الأنظار المستقيمة نعم يتجه أن يقال تعويلهم على تعديل غيرهم لا ينافي كونهم شهود أصل على التزكية فإن طريق شاهد الأصل قد يكون ظنا معتبرا عنده كما في الشاهد على الملكية بظاهر اليد والاستصحاب وإنما يلزم كونهم شهود فرع إذا شهدوا بشهادة غيرهم وأما ما ذكره بعض المعاصرين من أن موافقة اثنين من علماء الرجال في التزكية إنما ينفع على القول باشتراط التعدد إذا علم من مذهبهم اعتبار التعدد وهو غير معلوم بل قد علم خلافه من بعضهم كالعلامة حيث اكتفي بتزكية الواحد فالظاهر أنه غير وارد إذ لا يعتبر في قبول الشهادة العلم بصحة ما عول عليه الشاهد من الطريق بل يكفي عدم العلم بالفساد ثم المعروف بينهم في الاحتجاج على جواز التعويل على تعديل العدل الواحد أمور الأول أن التعديل شرط في قبول الرواية وقول الواحد مقبول فيها فيجب قبوله فيه وإلا لزم زيادة الشرط على مشروطه وأجاب عنه في المعالم بالمنع من عدم زيادة الشرط على المشروط إذ لا دليل عليه سلمنا لكن الشرط في القبول هو العدالة لا التعديل نعم هو أحد الطرق إلى معرفة الشرط سلمنا لكن زيادة الشرط بهذا المعنى على شروطه بهذه الزيادة المخصوصة أظهر في الأحكام الشرعية عند من يعمل بخبر الواحد من أن يبين يعني أن العامل بخبر الواحد يعول عليه في أصل الاحكام ولا يعول في مواردها غالبا على خبر الواحد فإنه يكتفي في الحكم بصحة عقد أو إيقاع مثلا بخبر الواحد ولا يكتفي في وقوع ذلك العقد أو الايقاع بشهادة الواحد واعترض بعض أفاضل المتأخرين عنه على الوجه الأول بأن الظاهر من الاكتفاء في المشروط بخبر الواحد الاكتفاء به في شرطه أيضا وإلا لوجب البيان ويشكل بأن الظهور المدعى إن كان بالنسبة إلى الخطاب الذي دل على حجية خبر الواحد في الاحكام فممنوع وإن كان بالنسبة إلى نفس الحكم فاستحسان وقياس لا نقول به وعلى الثاني بأن العدالة والتعديل سيان في جريان ما ذكروه في كل منهما والأظهر أن يقال إن قبل قول الواحد في ثبوت العدالة بطل اشتراط التعدد وإلا لزم بطلان ما سلمه من زيادة الشرط على المشروط وعلى الثالث بأن ثبوت أحكام تلك الماهيات المكتفي فيها بخبر الفاسق ليس مشروطا بثبوت وقوع أفرادها المتوقف على شهادة العدلين حتى يصح التمسك به في المقام على جواز زيادة الشرط على المشروط نعم يتجه ذلك في هلال شهر رمضان على قول من اعتبر قول العدل الواحد لكن لا يتم به البيان أقول بل يتجه ذلك أيضا في إخبار العدل عن فتوى المفتي إذ الظاهر عدم التأمل في كفاية الواحد فيه وعدم قبول تعديل الواحد له وكذا إخبار العدل عن نفسه ببلوغه درجة الفتوى عند من يكتفي بإخباره فإن شرط قبوله عدالته ولا يكتفي فيها بشهادة الواحد وكذلك إخبار الأجير بقيامه بالعبادة المستأجر عليها فإنه يكتفي بخبره مع عدالته ولا يثبت عدالته بشهادة الواحد و مثله الكلام في الوكيل على تفريق الصدقات فإنه يكتفي فيه بخبره مع عدالته ولا يقبل في عدالته شهادة الواحد وقريب من ذلك الشهادات المالية فإنه لا يقبل فيها أحد الامرين من شهادة العدلين و شهادة الواحد مع اليمين ولا يقبل في تعديل الشاهد إلا الشاهدان فالشرط يزيد على مشروطه من حيث إن في التعيين مزيد كلفة بالنسبة إلى التخيير وقس على ذلك الحال في نظائرها فيمكن أن ينزل كلام المعالم على هذا الوجه فيندفع عنه الاشكال المذكور لكن لا يلائم ذلك قوله عند من يعمل بخبر الواحد فإنه أوفق بما ذكره المعترض ويمكن دفع الاشكال على تقديره أيضا بأن مقصوده أن عدم زيادة حكم الشرط على المشروط إنما هو من حيث كون الشرط فرعا و المشروط أصلا والفرع لا يزيد على أصله وأن هذا فاسد من حيث إن الضوابط الشرعية مع كونها أصلا بالنسبة إلى مواردها الجزئية تثبت عند العامل بخبر الواحد بخبر الواحد ولا يثبت مواردها الجزئية إلا بشهادة العدلين لكن يشكل بأن الذي يتوقف على شهادة العدلين إثبات نفس الموضوع والذي يكتفي فيه بخبر الواحد إثبات حكمه عموما أو خصوصا وليس الموضوع فرعا للحكم اللاحق له بل الامر بالعكس الثاني ما تمسك به المعترض المذكور من أنه لا دليل على اعتبار العدالة هنا إلا الاجماع إذ لا نص في المقام وهو لا يساعد على اعتبارها بعد تزكية الواحد وبعبارة أخرى لا يساعد الاجماع على اعتبارها على وجه لا يثبت بتزكية الواحد وفيه نظر لان الاجماع إن تم فإنما يدل على اشتراط العدالة الواقعية وأما جواز التعويل فيها على تزكية الواحد على القول به فإنما هو من حيث كونها طريقا إلى الشرط أعني العدالة كشهادة العدلين لا
(٢٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 ... » »»