الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٠٩
كنقل المقيد بمطلق مجرد عن القيد والحقيقة بمجاز مجرد عن القرينة وأما مجرد القصور عن الإفادة ولو كنقل المبين بلفظ مجمل فلا دليل على منعه في غير مقام الحاجة ومنها أن يكون مساويا للأصل في الوضوح والخفاء لان الخطاب الشرعي يكون تارة بالمحكم و أخرى بالمتشابه لحكم وأسرار لا يصل إليها عقول الناس فلو نقل أحدهما بلفظ الاخر أدى إلى فوات تلك المصلحة كذا علله بعضهم و يشكل بأن تلك المصلحة لعلها كانت مقصورة على زمن ورود الحديث فتكون منتفية بالنسبة إلى النقل ولو سلم فلعلها مصلحة يسوغ للناقل إهمالها كالنكات البيانية التي لا تعلق لها بإفادة المراد مع أنا نمنع كون أصل الدعوى قطعية بل هي احتمالية ولو أثر مثل هذا الاحتمال لادى إلى منع النقل بالمعنى مطلقا لجواز أن يكون قد روعي في لفظ الحديث مصلحة لا يوجد في غيره ويمكن توجيه المنع من تبديل الظاهر بالنص بأدائه إلى اختلاف طريق الجمع عند التعارض مع أن الغالب وقوعه وأما مع العلم بوجود المعارض وحصول الاختلاف فأوضح وهذا لا يجري في عكسه إذ غاية الامر أن لا يترتب على النقل فائدة ما لم يكن هناك مقام حاجة فيجب المساواة لما مر فصل ينقسم الخبر عند المتقدمين إلى صحيح وغير صحيح فالصحيح عندهم ما كان معتضدا بأمارات توجب الوثوق والاعتماد عليه كوثاقة رواية أو وجوده في كثير من الأصول أو في البعض بطرق متعددة أو في أصل أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصحيح ما يصح عنهم كصفوان وابن أبي عمير أو تصديقهم كزرارة ومحمد بن مسلم أو على العمل بروايتهم كعمار أو اعتضاده بعمل الطائفة أو اعتماد الشيخ الجليل عليه كما يظهر من اعتماد الصدوق على شيخه محمد بن الحسن ابن الوليد حتى أنه صرح في صوم الفقيه بأن ما صححه شيخه هو الصحيح وما لم يصححه فليس بمعتمد إلى غير ذلك من الامارات التي كانت توجب وثوقهم به وأما المتأخرون فلما طال تباعدهم عن زمن الأئمة والروات واندرس في البين كثير من الشواهد والامارات حتى انحصر معظم أسباب الوثوق عندهم في وثاقة الراوي وتحرزه عن الكذب ولم يعتمدوا على اعتماد جليل على رواية لأنه يشبه التقليد والتبعية وهم بمعزل عنه بالكلية ولتكثر الاجلاء واختلافهم في الآراء ولم يجدوا للشيخوخة ما يميز الشيخ عن سائر العلماء قسموا الرواية بهذا الاعتبار إلى أقسام أربعة الأول الصحيح وهو ما كان جميع سلسلة سنده إماميين موثقين مع الاتصال بالمعصوم عليه السلام صريحا أو مفهوما بالفحوى والامارات كمضمرات سماعة فإن الذي يظهر أن عود الضمير فيها إلى المعصوم عليه السلام كان أمرا معلوما في الأصل لسبق ذكره مع مساعدة السياق عليه وإنما نشأ الخفاء في الظاهر من جهة تفكيك الروايات وتفريقها على الأبواب ولو علم وثاقة البعض بالقرائن والامارات فكك ولهذا حكم بعض متأخري المتأخرين بصحة جملة من الاخبار التي في طريقها إبراهيم بن هاشم مع أنه لا نص بتوثيقه نعم يستفاد وثاقته من تعويل ابنه علي الثقة الجليل عليه وإكثاره الرواية منه مضافا إلى أمارات أخر مقررة في محلها واشترط بعض العامة أن لا يكون معللا أي لا يكون متنه أو سنده مشتملا على علة خفية لا يطلع عليها إلا الماهر كالارسال فيما ظاهره الاتصال أو مخالفته لدلالة العقل والشرط الثاني غير معتبر عندنا إذ طرح الرواية لا ينافي صحة الاصطلاحية والأول مستغن عنه بما قررناه و قد يطلق الصحيح مضافا إلى راو معين ويراد به اشتمال السند إليه على شرائط الصحة وإن اعتراه بعد ذلك ضعف أو إرسال فيقال و لصحيحة ابن عمير عن فلان أو عن رجل وقد يطلق أيضا على جملة محذوفة من السند للاختصار مع السكوت عن حال المذكور فيقال روى الشيخ في الصحيح عن محمد بن سنان والمراد به اشتمال المذكورين قبل محمد بن سنان على شرائط الصحة وهذان الاطلاقان إنما يرتكبان حيث يكون حال المذكور أو ما بعده غير معلوم حال الاطلاق أو يكون نزاع في وثاقتهما أو نوع قوة في روايتهما أو ما أشبه ذلك فيصرح بالاسم ليراجع عند التمكن أو ليبني كل ذي مذهب على مذهبه أو ليعرف مقدار قوة السند وقد يكون بعض أصحاب الاجماع في السند ويطروه بعدهم ضعف أو إرسال فيصرح بالصحة إليهم ويأتي ببقية السند على وجهه ليتبين حال الرواية بحسب الآراء الثاني الحسن وهو ما كان جميع سنده إماميين ممدوحين بما يعتد به مع عدم توثيق الكل الثالث الموثق وهو ما كان جميع سنده موثقين مع عدم كون الكل إماميا وقد يسمى هذا القسم بالقوي أيضا و لو تركب السند من القسم الأول وأحد القسمين الأخيرين ألحق بما اشتمل عليه من أحد القسمين الأخيرين ولقد كان في تحديدهما ما يدل على ذلك ولو تركب من القسمين الأخيرين ولو بمشاركة القسم الأول ففي إلحاقه بالحسن أو الموثق قولان مبنيان على الخلاف في تعيين المرجوح منهما لان حال السند تتبع لحال أخس رجاله و التحقيق أن مراتب المدح والتوثيق متفاوتة فقد يتكافئان وقد يترجح أحدهما على الاخر فليس هناك قاعدة كلية يرجع إليها وإن كان الغالب ترجيح الموثق وأما ما ذكره الفاضل المعاصر من أن ماهية الموثق أرجح من ماهية الحسن فيلحق هذا النوع بالحسن وإن كان الحسن قد يترجح على الموثق لخصوص مدح في خصوص رجل فكأنه ليس على ما ينبغي واعلم أن الحسن والموثق قد يطلقان مضافين إلى راو معين أو على جملة محذوفة من السند كما مر في إطلاق الصحيح ووجهه ما عرفته هناك وقد عرفت مما حققنا حجية هذه الأقسام الثلاثة الرابع الضعيف وهو ما لا يتصف بعض رجال سنده بأحد الأوصاف المتقدمة وهذا ينقسم إلى قسمين الأول أن يكون جميع رجال السند غير إماميين وممدوحين بغير التوثيق بما يوجب الوثوق بتحرزهم عن الكذب أو يكون بعضهم كذلك ويكون الباقون من أحد الأقسام الثلاثة السابقة وليس هذا القسم قويا الثاني أن لا يكون كذلك أما القسم الأول فقضية ما
(٣٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 ... » »»