لفظه ولو قيل بأن هذه الأمور قسم ثالث خارج عن الشهادة والرواية كان قويا وليس إخبارا ولهذا لا يسمى الأمين المخبر عن فعله لا شاهدا ولا راويا مع قبول قوله وحده هذا مزكى أو ميتة لما في يده و قول الوكيل بعت أو أنا وكيل وهذا ملكي انتهى ملخصا ويظهر مما ذكره أخيرا وجه فرق آخر وهو أن الرواية خبر مقتضاه الالزام بحقه تعالى فيكون الشهادة بمقتضى المقابلة عبارة عن خبر مقتضاه الالزام بحق غيره تعالى لكنه رحمه الله صرف الفرق عن ظاهره ولم يراع التقابل نظرا إلى عدم مساعدة مقامه عليه فوجه كون الاخبار بالمذكورات شهادة بكونها إخبارا بمعين وهو لا يقابل الأول إلا أن يكون قد اعتبر فيه الالزام بحقه تعالى لا على وجه التعيين بقرينة المقابلة فيشكل بعدم جريانه في مثل عدد الركعات والأشواط لتعينها وبالجملة فالذي يتحصل من كلامه أن عموم المخبر عنه و كونه حقا له تعالى من خواص الخبر وكون المخبر عنه خاصا من خواص الشهادات وهذا بظاهره ظاهر الفساد لان الرواية بالمعنى المصطلح إخبار عن خصوص قول المعصوم أو فعله أو تقريره فيلزم خروجها عن عنوان الرواية واندراجها في عنوان الشهادة وأما ما أورد عليه من النقض بإخبار زيد بمجئ ولده فإنه رواية مع أن المخبر عنه خاص فغير وارد إذ لا نسلم كونه رواية بالمعنى المبحوث عنه بدليل أنه لا يكتفي في ثبوته شرعا بإخباره هذا إذا اعتبر العموم و الخصوص في نفس المخبر عنه كما هو الظاهر وإن اعتبرا بالنسبة إلى ما يترتب عليه من اللوازم فلا ريب في أن الشهادة يترتب عليها أحكام عامة كعدم جواز تصرف أحد في المال بدون إذن المشهود له وجواز بيعه وصلحه وإجارته عموما إلى غير ذلك و يترتب على الرواية أحكام خاصة متفرعة على ثبوت الاحكام العامة كعدم ثبوت الشفعة في هذا المال الذي لا يقبل القسمة لعموم لا شفعة فيما لا يقسم والأولى في توجيه الفرق بالعموم والخصوص أن يقال الحكم الشرعي الثابت أولا بالخبر إن كان عام المورد فرواية وإن كان خاص المورد فشهادة فيندفع الاشكال بما مر أن الحكم الشرعي الأولي الثابت في الأول خاص وهو كون المال لزيد و الاحكام العامة متفرعة عليه وفي الثاني عام والاحكام الخاصة متفرعة عليه ولعل هذا مراد الشهيد وإن قصر كلامه عن بيانه لكن يرد حينئذ على حد الرواية الاخبار المتعلقة بموضوعات خاصة كالخواص وكتوثيقه عليه السلام لمثل زرارة وجرحه لمثل أحمد بن هلال وتحديده للحائر وبيانه خروج الحجر عن البيت وأمثال ذلك وعلى حد الشهادة الاخبار بأن هذه العين وقف عام ولا يجدي ما اعتذر به بعض المعاصرين من أن المصلحة العامة مصلحة خاصة ورد عليه الوقف بالخصوص فهو في الحقيقة متعين من حيث المورد وإن لزمه الشيوع والاستمرار بالتبع في أفراد الموقوف عليه وأشخاصه هذا لفظه و ذلك لان الوقف عبارة عن حبس الأصل وتسبيل المنفعة على الموقوف عليهم وخصوصية المورد إنما يتحقق بالنسبة إلى مورد التحبيس دون مورد التسبيل والموقوف عليهم سواء اعتبرت القضية فيهما حقيقية أو خارجية نعم يمكن أن يقال الوقف عبارة عن أمر جعلي وهو فعل خاص وإن كان متعلقه أو أثره عاما لكن ربما يرد مثله في الرواية ومع ذلك يبقى الاشكال بما إذا كانت الشهادة على الأثر الحاصل إلا أن يمنع صحة الاشهاد حينئذ ولا وجه له وأما الشهادة على النسب فلا إشكال فيها على هذا التوجيه لان موردها خاص وإن ترتب عليها أحكام عامة ثم ما ذكره الشهيد من إمكان الفرق بين طهرته ونجسته واضح السقوط لان الأصل فيما علم نجاسته النجاسة كما أن الأصل فيما علم طهارته الطهارة فنسبة الأصل إليهما سواء نعم لو كان الشئ معلوم الطهارة فأخبر بأنه نجسه أو تنجس فطهره بني على طهارته لا من جهة إخباره بل من جهة الأصل و عدم الاعتداد بشئ من الخبرين ثم جعله الحاكم من باب الناقل عن الله تعالى غير سديد بل الحكم إنشاء كما يظهر من الألفاظ المقررة له وقد صرح هو به أيضا في غير المقام ولو ذكر هذا التعليل للفتوى كان أنسب وما ذكره من أن قول الواحد في الهدية والاذن في دخول الدار إنما يقبل لاعتضاده بقرائن علمية إنما يتم إذا لم يكن المخبر كاملا أو لم يكن له يد على الهدية وعلى الدار وإلا فلا إشكال في القبول وقوله وليس إخبارا غير واضح ولعله يريد و أنه ليس إخبارا بالمعنى المصطلح في الأصول أو يريد بالخبر الذي قسمه إلى القسمين الخبر الذي لا يعتضد بدلالة قطعية أو أمارة شرعية كاليد في المثال الذي ذكره وكذا الكلام في قبول قول الأمين و الوكيل لان كون المخبر أمينا أو وكيلا أمارة شرعية ولا يخفى ما فيه من التعسف هذا وقوله هذا ملكي لا تعلق له بمسألة الوكيل فالوجه أن يكون عطفا على الوكيل والمراد قول ذي اليد ذلك و التحقيق أن عد الاخبار بتلك الأمور رواية أو شهادة متفرع على ثبوت الاكتفاء بالواحد فيها وعدمه لا أن الاكتفاء بالواحد فيها وعدمه متفرع على كونها رواية أو شهادة كما يظهر من كلام الشهيد إذ لا نص على أن كل رواية يكتفي فيها بالواحد وكل شهادة يعتبر فيها التعدد بل الامر في ذلك مبني على مجرد الاصطلاح كما عرفت و المتبع في موارد الحكم هو الدليل فما دل على قبول خبر الواحد فيه يلحق بالأول وما دل على اعتبار التعدد فيه يلحق بالثاني وأما الفرق بين الوجهين الأخيرين فواضح فإن المدار في الأول منهما على نقل الثقة أفاد الظن أو لم يفده وفي الثاني على حصول الظن حصل من قول الثقة العدل أو من غيره وحيث إن قول الثقة من حيث نفسه يفيد الظن ما لم يعارضه أمارة خارجة صح إطلاق القول بقبول تزكية العدل الواحد إذ المراد قبولها عند تجردها عن المعارض إذا عرفت هذا فالمختار عندي جواز التعويل في تعديل الراوي أو إثبات تحرزه عن الكذب على قول العدل الواحد بل على مطلق الظن سواء استند إلى تزكية العدل أو إلى سائر الامارات الاجتهادية لنا أنه قد ثبت مما حققنا سابقا أن التعويل في أخبار الآحاد على الاخبار الموثوق بصدقها وصحة صدورها ولا ريب أن الظن بعدالة الراوي وتحرزه عن الكذب مما يفيد الوثوق بصدق الرواية فيجب التعويل عليه وأيضا
(٢٩٨)