الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٩٦
عليه فإنه إذا كان معنى صالح ذات له الصلاح في المعتقد كان معنى زيد صالح زيد ذات له الصلاح في المعتقد فيجري فيه الاشكالات قلت هذا مع ابتنائه على القول بأن مدلول المشتق مركب من مفهوم ذات له المبدأ وأنه ليس معنى بسيطا منتزعا من الذات باعتبار قيام المبدأ به إنما يتم إذا أخذت النسبة التامة فيه باعتبار الاعتقاد دون الواقع فإنه إذا اعتقد بأن ذاتا ما له الصلاح ولم يعلم بأنه زيد فقيل زيد هو ذا لم يلزم عليه شئ من المفاسد المذكورة إذ مفاد المحمول حينئذ ذات مخصوصة لا يقال يشترط في صحة الحمل قيام المحمول بالموضوع فإذا كان المحمول الصلاح المعتقد فلا قيام له بزيد حيث لا يعتقده المخاطب لأنا نقول ليس المحمول هو الصلاح المعتقد قيامه بزيد حتى يلزم ما ذكر بل الصلاح المعتقد قيامه بذات ما فلا يلزم المحذور نعم يتجه الاشكال فيما إذا لم يعتقد المخاطب اتصاف ذات بالصلاح لكنه غير مذكور في الجواب هذا ولا يذهب عليك أنه قد اضطرب كلام المجيب في تعيين الاعتقاد فتارة جعله اعتقاد المتكلم كما يظهر من دليله الأول فإن لازم الخبر على ما هو المعروف اعتقاد المتكلم دون المخاطب وأخرى جعله اعتقاد المخاطب كما يدل عليه دليله الثالث وبه صرح في العنوان حيث قال لا بحسب معتقد المخاطب وهذا أيضا هو المناسب لمساق الجواب فإن مبنى الاستدلال على أن معنى الفاسق من كان فاسقا في معتقد المخاطبين فيتحقق مجهول الحال بالنسبة إليه ويخرج عن عنوان المنطوق لا من كان فاسقا عنده تعالى فيرجع إلى الفاسق الواقعي ولا يكون الفرق إلا بمجرد الاعتبار ولا يتحقق حينئذ مجهول الحال ولو نزل كلام المستدل على أن قضية قانون الوضع أن يحمل كل من المتكلم و السامع الألفاظ بإزاء ما يعتقده من المعاني ارتفع التنافي في كلام المجيب لكن يستدعي تطبيق دليله الأول على دعواه إلى إضمار مقدمة ولو أراد المستدل أن الألفاظ وإن كانت موضوعة للمعاني الواقعية إلا أن الاعتقاد طريق إلى معرفتها وبعد ضم حكم الطريق إلى مفاد المنطوق رجع المحصل إلى وجوب التبين في خبر من علم فسقه فيكون المفهوم عدم وجوب التبين في خبر من لم يعلم فسقه فيندرج فيه مجهول الحال لتوجه عليه أن الحكم في المنطوق والمفهوم على القول بأن الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية معلق على من كان فاسقا في الواقع وعلى من لم يكن فاسقا في الواقع ونسبة كون العلم طريقا إلى كل منهما على حد واحد وليس التعليق في المنطوق معتبر بالنسبة إلى الطريق أعني العلم حتى يتم المقصود وبهذا يتضح فساد ما يقال من أنه تعالى علق وجوب التثبت على فسق المخبر وليس المراد الفسق الواقعي وإن لم يعلم به للزوم التكليف بالمحال فيكون المراد الفسق المعلوم فانتفاء الامر بالتثبت ليس بالرد للزوم كونه أسوأ حالا من معلوم الفسق وهو باطل بل بالقبول وهو المقصود وذلك لان لزوم التكليف بالمحال لا يوجب أن يكون التعليق اللفظي على العلم بالفسق والدليل إنما يتم به وأما الاحتجاج بالأصل في نفي الفسق فمدفوع بأن الفسق و العدالة كلاهما وصفان وجوديان فكما أن الأصل عدم الأول كذلك الأصل عدم الثاني لكن يشكل هذا على القول بأن المناط في القبول عدم الفسق المتحقق في العادل والواسطة فيتجه حينئذ استصحابه أو استصحاب حكمه من قبول بنائه ولا يعارضه العلم بطريان أحد الوصفين من الفسق والعدالة بعد مضي مدة قضاء لحكم العادة إذ ليس ذلك علما بطريان الرافع القادح في جريان الاستصحاب ويمكن التفصي عنه بوجهين الأول أن استصحاب عدم الفسق معارض بالظاهر فإن الغالب في المكلفين ثبوت وصف الفسق فيهم فيتساقطان ويحتاج إثبات كل منهما إلى دليل وهذا الوجه وإن اتجه جريانه في المقام حيث إن التعويل في تعديل الراوي وجرحه على الظنون الاجتهادية إلا أنه لا تجري في سائر المواضع لمنع حجية الظاهر حيث لا دليل على حجيته فلا يقاوم الأصل الثاني أن الاستصحاب المذكور معارض بأصالة عدم الامتثال والخروج عن عهدة ما ثبت في حقه من التكاليف الموجب لثبوت وصف الفسق فيه بل هو عينه لا يقال لو تم هذا الأصل لجرى في مستصحب العدالة فيتعارض الأصلان فيه فيلزم أن لا يثبت عدالة بالاستصحاب لأنا نقول لا تعارض بين الأصلين بل يحكم كل منهما في مورده كأصالة بقاء حياة الغائب و أصالة عدم تنفسه مثلا يترتب على كل منهما حكمه الشرعي إن كان له حكم شرعي على أنا نقول قضية بقاء ملكة العدالة قيام صاحبها بالوظائف الشرعية فيمكن إثبات القيام بها باستصحاب الملكة لأنه من توابعها الثابتة بثبوتها شرعا وليس إثباتها بنفس الاستصحاب لعدم الاعتداد بالأصول المثبتة كما يأتي بل لافادته الظن بذلك وهو كاف في المقام بخلاف عدم الفسق المجرد عن الملكة الثابت في أول البلوغ فإنه لا يقتضي الظن بقيام صاحبه بشئ بل قضية الشهوات الموجودة في المكلف خروجه عن الحدود الشرعية بالاختيار ما لم يمنع منه مانع وحيث إن وجود المانع حادث فقضية الأصل عدمه وأما ما يقال من أن أفعال المسلمين يحمل على الصحة فشموله لجميع الافعال ممنوع ولو سلم فشموله للتروك ممنوع ولو سلم فنمنع كون المقصود إثبات جميع لوازم الصحة به حتى العدالة وهذا ظاهر و إذا اتضح عندك مما حققنا أن الوجه في منع صدق الفاسق حقيقة على غير الفاسق الواقعي إنما هو التبادر وصحة سلبه عن الفاسق الاعتقادي الغير الواقعي فنقول قضية التعليق في الآية وجوب التبين في نبأ الفاسق الواقعي وعدم وجوبه في غيره وحيث لا واسطة في محل الحاجة بين كون المخبر عادلا في الواقع وبين كونه فاسقا فيه يتردد خبر المجهول الحال بين وجوب العمل وبين حرمة العمل به إذ لا قائل بالإباحة هنا فيترجح الثاني إما على الضابطة المعروفة من ترجيح جانب التحريم حيث يدور الامر بينه وبين الوجوب وإما لان مرجع ذلك إلى التردد بين حجيته وعدم حجيته فيرجح الثاني لأصالة عدم
(٢٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 ... » »»