الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٩٢
عليه الرابع الايمان ذكره جماعة ونسبه في المعالم إلى المشهور ولم يثبت فلا يقبل رواية غير الامامي من المخالفين وغيرهم كالزيدية والكيسانية والناووسية والفطحية والواقفية وذهب جماعة إلى عدم اشتراط ذلك واختاره العلامة في أحد قوليه وهو الأقوى لنا أن الشيخ قد نقل اتفاق الطائفة على العمل بخبر عبد الله بن بكير و سماعة وعلي بن حمزة وعثمان بن عيسى وبما رواه بنو فضال و الطاطريون فيكون أخبارهم من الطرق الظنية فيجب التعويل عليها و أما على القول بجواز العمل بالظن في الاحكام فالتقريب واضح و ربما يؤيد ما ذكرناه ما رواه الشيخ عن الصادق عليه السلام أنه قال إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها فيما روي عنا فانظروا إلى ما رووه عن علي عليه السلام فاعملوا به واحتجوا بعموم قوله إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا إذ لا فسق أعظم من عدم الايمان وأجيب تارة بأنا لا نسلم صدق الفاسق على غير المؤمن إذا كان متورعا في دينه ملازما لمذهبه ومحافظا على طريقته لا سيما إذا لم يكن مقصرا في ذلك بحسب معتقده وأخرى بأن غير الامامي إذا لم يكن موثقا لا تعويل على خبره كما لا تعويل على خبر الامامي الغير الموثق فالكف عن العمل بخبره إلى أن يثبت وثاقته وتحرزه عن الكذب نوع تبين و تثبت وفي كلا الوجهين نظر أما في الأول فلان منع صدق الفاسق في العرف المتقدم على العاصي في الاعتقاد بمجرد محافظته في العمل على حسب معتقده وتحرزه عن الكذب بعيد لقضاء الاستقراء بخلافه مع بعد الفرض إذ الغالب أن الفسق في الاعتقاد يؤدي إلى الفسق في أفعال الجوارح ويتم الكلام في غير المقصر على تقدير تسليم وقوعه بعدم القول بالفصل وأما في الثاني فلان الظاهر من التبين طلب البيان والظهور وذلك إنما يصدق عرفا إذا حصل العلم بالصدق أو ما ثبت قيامه مقام العلم شرعا والأول معلوم الانتفاء مع خروجه عن محل الفرض وإثبات الثاني بالآية دور والتحقيق في الجواب بعد إمكان المنع من عموم الآية للمقام من حيث إن من أداة الاهمال على ما صرح به جماعة من المحققين أن الخطاب بها متوجه إلى المخاطبين المتمكنين من تحصيل الاحكام بالعلم أو بطريق علمي يثبت عندهم قيامه مقام العلم وتعميمه في الاحكام إلى غيرهم من فاقدي الوصف يتوقف على قيام دليل عليه من إجماع أو نص وانتفاء الأول في محل النزاع واضح وعموم الثاني لمحل البحث ممنوع سلمنا لكن عموم هذه الآية معارض بعموم آية النفر فربما أمكن أن يرجح عموم أنه الثانية لاشعار التعليل في الأولى باختصاص حكمها بالموضوعات ولا يقدح عدم صدق الانذار على حكاية رواتنا الاخبار على ما مر بيانه فيسلم عموم الآية الأولى إذ لا قائل بالفرق على أنا نقول حيث أثبتنا بالبرهان المتقدم وجوب التعويل على الظن في المقام عند انسداد طريق العلم وبقاء التكليف وبينا أن خبر غير الامامي الغير الموثق مظنون الحجية على ما يظهر بالتتبع في طريقة السلف مضافا إلى الاجماع المحكي على ذلك فيجب تخصيص عموم الآية أو الرواية به كما يجب تخصيص عموم آية النهي عن اتباع الظن ونظائرها به بناء على أن المراد اتباع ما مفاده الظن إذ مساق الكل حينئذ واحد و هذا هو المعتمد الخامس العدالة ولنتكلم أولا في بيانها [بيان معناها] فنقول قد اختلف الأصحاب في حقيقتها إلى أقوال الأول المعروف بين المتأخرين أنها ملكة نفسانية باعثة على ملازمة التقوى و المروة وأرادوا بالملكة الصفة الراسخة التي يعسر زوالها ونبهوا بذلك على عدم العبرة بالأحوال وهي التي يسرع زوالها وفسر التقوى جماعة من أجلا الأصحاب باجتناب الكبائر والصغائر و آخرون باجتناب الكبائر مع عدم الاصرار على الصغائر ثم اختلفوا في تعيين الكبائر فالمشهور على الظاهر المصرح به في كلام بعض كل ذنب توعد الله تعالى عليه العقاب في الكتاب العزيز واحتجوا عليه بجملة من الاخبار مشتملة على أن الكبائر هي ما توعد الله عليها النار أو أوجب النار وهي لا يختص بكون الوعد في الكتاب إلا أن يستظهر منها ذلك بمساعدة الاطلاق والشهرة وكون المذكور فيها من المعاصي المتوعد عليها في الكتاب وقيل الذنوب كلها كبائر و إنما يطلق الصغيرة عليها بالقياس إلى ما هو أكبر وظاهر مجمع البيان نقل إجماع أصحابنا عليه واستشكل هذا القول بقوله تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم إذ لا سيئة غير الكبائر على هذا القول وأجيب بأن من عن له ذنبان أحدهما أكبر من الاخر ومالت نفسه إليهما بحيث شق عليه الامتناع فترك الأكبر وارتكب الأصغر كان ترك الأكبر كفارة لفعل الأصغر كما لو عدل عن الوطي إلى اللمس ومنه إلى النظر وهذا على إطلاقه غير مستقيم للقطع بأن من عن له قتل جماعة فاقتصر على قتل بعضهم أو قتل شخص فعدل إلى قطع يده وما أشبه ذلك لا يعد صغيرة مكفرة بترك الأكبر وربما يقوى في النظر أن الصغيرة هي المعصية التي عرف من الشرع سهولة الخطب فيها في نظر الشارع وأن ما عداها كبيرة ومنه يظهر أن الأصل فيما ثبت تحريمه أن يكون كبيرة ما لم يثبت الخلاف وذلك تختلف باختلاف الافعال والأحوال ووضوح الحكم عند المكلف وخفائه فمثل النظر إلى الأجنبية من الصغائر و مثل شرب الماء المتنجس وشربه عند الاضطرار الشديد الغير البالغ درجة الرخصة من الصغائر وكذلك بعض المحرمات المختلف فيها اختلافا يعتد به إذا مال المجتهد فيه إلى التحريم فارتكابه في حقه من الصغائر وكذا لو عول المقلد فيها على قول المحرم مع علمه بمصير غيره ممن يعتد بقوله إلى خلافه وربما كان من هذا الباب العمل بالظن القوي الغير المعتبر شرعا في مقابلة الاستصحاب و شبهه المفيد للتحريم في بعض الموارد كما لو ظن طهارة الماء المتنجس فسر به ولو فرض في هذه الصورة إتيانه لها للعدول عما هو أكبر منها كان الحكم المذكور فيها أوضح وقسم الشهيد الثاني الاصرار إلى فعلي وفسره بالمداومة على نوع واحد من الصغائر بلا توبة أو الاكثار من جنسها بلا توبة وإلى حكمي وفسره بالعزم عليها بعد الفراغ فعلى هذا لو فعل الصغيرة ولم يخطر بباله التوبة ولا عزم على فعلها لم يقدح في عدالته وقيل بل الاصرار على الصغائر عبارة عن الاكثار منها سواء كان من نوع واحد أو من أنواع
(٢٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 ... » »»