على غيره وعلى هذا البيان يلغو اعتباره لعدم اعتبار الحيثية فيما أفاد الظن في نفسه غاية الامر أن يكون هذه الحيثية فيما إذا اختلفت الامارات مقتضية الحجية أحدها ويلزمه حجية القياس والاستحسان عند موافقتهما للدليل المعتبر بل يلزم منه حجيتهما في نفسهما غاية الامر عدم نهوضهما بدفع ما يعارضهما كالأصل مع أنهم منعوا عن حجيتهما على الاطلاق وكذا الكلام فيما عداهما من الأدلة التي ثبت عدم اعتبارها شرعا كخبر الفاسق عند من يعول به الثالث أنا لا نسلم أن انسداد باب العلم بالنسبة إلى مورد القياس ونحوه لأنا نعلم حرمة العمل بمؤداه فنعلم أن حكم الله غيره وإن لم يعلم أي شئ هو ففي تعينه يرجع إلى سائر الأدلة وإن كان مؤداهما نفس مؤداه يعني أن الظن القياسي مثلا إذا اقتضى حكما من الاحكام فذلك الحكم باطل من حيث كونه مؤدى القياس وإن كان صحيحا من حيث كونه مؤدى دليل آخر وحينئذ فلا يتوجه الدليل المذكور بالنسبة إليه لعدم انسداد باب العلم فيه وفيه أيضا نظر لأنه إن أراد بالعلم ببطلان الحكم من حيث كونه مؤدى القياس العلم ببطلان نفس الحيثية على تأدية القياس كما هو الظاهر من بيانه فهذا راجع إلى العلم بعدم كون القياس حجة ولا جدوى له في دفع الاشكال كيف ومبنى الاشكال على العلم بعدم حجية القياس وإن أراد العلم ببطلان نفس المؤدى فهو غير معقول مع تجويز صحته لقيام دليل آخر الرابع المنع من ثبوت حرمة العمل بالقياس ضرورة حتى في زمن انسداد باب العلم أقول إن أراد مجرد المنع من كون تحريم العمل بالقياس في زمن انسداد باب العلم ضروريا فمع تسليمه لا يجدي في دفع الاشكال إذ يكفي في وروده ثبوت التحريم ولو بالدليل وإن أراد المنع من حرمة العمل بالقياس هنا كذلك كما هو ظاهر كلامه بل صريحه فهو عند أصحابنا الامامية غلط واضح وخطأ فاحش قد صدرت مثل هذه المقالة الواهية عن ابن الجنيد فنقل أن الشيعة تبرأت منه حتى إنه لم يستطع المقام بينهم فخرج من بلادهم ثم استبصر وتاب ورجع و بالجملة لا يرتاب أحد من أصحابنا في بطلان العمل بالقياس و الاستحسان ما دامت الأدلة المعهودة من الكتاب والكتب الأربعة و غيرها موجودة يمكن المراجعة إليها وإن قدر أن شيئا منها ليس بقطعي و منع قيام ضرورتهم على ذلك مكابرة جلية لا يليق بالالتفات إليه وأما تنزيله للأخبار الدالة على حرمة العمل بالقياس على المنع من التشريع والبدعة والاستقلال لاقتضاء العلة ذلك لا لان الشارع حكمه كذا لأجل العلة كما في العمل بالخبر ففيه ما فيه أقول بل التحقيق في الجواب أن يقال انسداد باب العلم وبقاء التكليف إنما تقتضي حجية الظنون التي لا دليل على عدم حجيتها عند الانسداد من حيث إنها ظنون لا دليل على عدم حجيتها كذلك وهذا مطرد في جميع موارده وبالجملة فالعقل إنما يحكم على العنوان الخاص لا أنه يحكم على العنوان العام ثم يطرؤ عليه التخصيص فالذي يكشف عن ذلك أن العقل لا يحكم بمجرد انسداد باب العلم وبقاء التكليف لجواز العمل بكل ظن حتى بالظنون التي علم عدم جواز التعويل عليها ولو بعد انسداد العلم بل بما عدا ذلك من الظنون المحتمل الحجية ومن هنا يظهر أن القائل بحجية الظن المطلق إنما ينبغي له أن يقول بحجية مطلق الظن الذي لا دليل على عدم حجيته فيعتمد على كل ما لا دليل على عدم حجيته مما يفيد الظن الفعلي بعد قطع النظر عن معارضة ما ثبت عدم الاعتداد بمعارضته واعلم أنا لو التزمنا بانسداد باب العلم مع بقاء التكليف بها فلا يخلو إما أن نقول بأن قضية ذلك عقلا وجوب العمل بالظن فيها واقعا وحينئذ فيمتنع المنع من العمل ببعض الظنون كالظن القياسي وشبهه وإن قلنا بأن قضية ذلك وجوب العمل بالظن ظاهرا لم يمتنع المنع من العمل ببعض الظنون لقيام دليل على المنع كسائر الاحكام العقلية الظاهرية كالبراءة وشبهها وقد عرفت مما حققنا أن حكم العقل بحجية الظن هنا حكم ظاهري فلا إشكال في المنع من العمل بالقياس وشبهه فيرجع في مورده بحكم العقل إلى الأقرب إلى الواقع من بعده ولو مع قطع النظر إلى القياس مثلا وإن لم يكن ظنا فعليا ويظهر من استشكال الفاضل المعاصر في إخراج الظن القياسي والتجائه إلى منع حصول الظن به تارة و منع بطلان حجيته أخرى ونحو ذلك من الوجوه المتقدمة توهمه للوجه الأول وهو كما ترى وكيف كان فالمعتبر على الأول كل أمارة مفيدة للظن وعلى الثاني كل أمارة من الامارات التي لا دليل على عدم حجيتها ولا أقرب منها في النظر إلى إصابة الواقع بعد الاغماض عما ثبت عدم حجيته سواء كان أفاد الظن أو لا والفرق بين أن تعتبر الامارات على أحد هذين الوجهين وبين أن تعتبر على وجه التعبد أن الامارات المعتبرة على وجه التعبد لا يعتبر فيها إفادتها للظن ولا كونها أقرب في النظر إلى الواقع وإن فرض حصوله فليس الحكم بالحجية منوطا به بل كان من المقارنات الاتفاقية كما في العمل بأصل البراءة و الاستصحاب بخلاف الامارات المعتبرة على أحد هذين الوجهين فإن حجيتهما منوطة بالوصف المعتبر فيهما من الظن والأقربية ومن هنا يتضح ضعف ما ظنه المعاصر المذكور حيث زعم أن القول بحجية الفتوى في حق المقلد تعبدا بالشئ مما اشتهر بين الأصحاب من عدم جواز تقليد الميت فإن قول الميت قد يفيد الظن فلا يحصل من فتوى الحي فيكون الرجوع إليه تعبدا لعدم إناطته بحصول الظن و إن ذلك ينافي احتجاج بعض الأصحاب على تقديم الأفضل والأورع بكونه أرجح وأقوى من المفضول ووجه ضعفه أنه لا يكفي في كونه أمارة تعبدية عدم إناطة حجيتها بحصول الظن الفعلي منها بل يعتبر مع ذلك عدم إناطتها بما لا قرينة في نظر العامل كما عرفت و المنع من قبول قول الميت إنما يوجب عدم الإناطة بالظن الفعلي لا قرينة بل التحقيق أن المنشأ في ذلك ما نقرره من قيام الاجماع و الضرورة ودلالة الكتاب والسنة على وجوب رجوع الجاهل إلى العالم من غير إناطة بوصف الظن والأقربية في نظره وهذا مع اتحاد المفتي موضع وفاق وأما مع تعدده واختلافهم في الأفضلية و الأورعية فربما يوهم كلام بعضهم أنه يؤخذ بما هو الأقوى والأرجح في نظره في إصابة الحكم الفعلي وأنه قول الأفضل والأورع وهذا مع بطلان كليته كما لا يخفى لا ينافي كونه تعبديا بالمعنى الذي ذكره إذ لا يلزم من تقديم الأقوى والأرجح من أقوال المفتين إناطته بالظن مع احتمال أن يكون المراد قول الأفضل والأورع أقوى وأرجح في
(٢٨٥)