الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٩٤
عنه في قبيلته ومحلته قالوا ما رأينا منه إلا خيرا مواظبا على الصلوات معاهدا [متعاهدا] لأوقاتها في مصلاه فإن ذلك يجيز شهادته و عدالته بين المسلمين إلى أن قال بعد التأكيد على حضور الجماعة و من لزم جماعتهم حرمت عليه غيبته وتثبت عدالته بينهم ورواه الشيخ أيضا لكن بسند غير صحيح مع اختلاف يسير في ألفاظه و التحقيق أن هذه الرواية ظاهرة المفاد في أن العدالة هي تجنب الكبائر بل ملكتها كما هو الظاهر من الآية وقد نبهنا عليه وأن حسن الظاهر طريق إلى معرفة ذلك يدل على الأول قوله عليه السلام أن يعرفوه بالستر والعفاف وقوله ويعرف باجتناب الكبائر بناء على أن الثاني بيان للأول وتوضيح له ولو جعل تأسيا كما تخيله بعض الأفاضل دل على اعتبار تجنب الصغائر أيضا وهو بعيد وعلى الثاني قوله و الدلالة على ذلك كله إلخ وقوله ومن لزم جماعة من المسلمين إلخ و لعل أهل هذا القول لا يتحاشون عن ذلك وإن تسامحوا في التعبير حيث فسروا العدالة بحسن الظاهر فيرجع مقالتهم في تفسير العدالة إلى القول الأول وربما يرجع القول الثاني إليه كما نبهنا عليه نعم يبقى الكلام حينئذ في معرفة الطريق إليها وينبغي القطع بكفاية حسن الظاهر بالمعنى المذكور طريقا إليها لدلالة هذه الرواية عليه و تعذر تحصيل ما فوق ذلك أو تعسره كما عرفت كما عرف وجهه من كلام الشهيد الثاني ويمكن تنزيل الاجماع الذي حكاه الشيخ على ذلك ومما يؤكد ذلك ما ورد في الموثق من قبول شهادة النساء إذا كن مستورات معروفات بالستر والعفاف مطيعات للأزواج وما ورد في حسنة البزنطي من أن من ولد على الفطرة أجيزت شهادته على الطلاق بعد أن يعرف منه خير وما ورد في الخبر إذا كان الرجل لا تعرفه يؤم الناس ويقرأ القرآن فلا تقرأ خلفه واعتد بصلاته إلى غير ذلك وربما كان في المسألة قول آخر وهو أنه يكفي في العدالة أن يكون المكلف بحيث لا يرتكب المعاصي إلا على سبيل الندرة ويكون في غالب أوقاته متجانبا عنهما ولو اتفق صدور معصية منه تذكر واستغفر كما قال تعالى والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله واستغفروا لذنوبهم وهذا القول غير واضح لأنه إن أريد أن صدور المعصية على سبيل الندرة لا يقدح في العدالة حال صدورها أو قبل التوبة عنها وإن كانت كبيرة فضعفه واضح وإن أريد أنه بعد الاستغفار ويحكم بعدالته فلا يخالف القول المختار وقد يطلق العدالة ويراد بها الملكة المذكورة بالنسبة إلى مذهب صاحبها أو حسن الظاهر بالنسبة إلى طريق صاحبه وهي بهذا المعنى أعم منه وبالمعنى الأول لاختصاص المعنى الأول بالامامي بخلاف الثاني وحيث يطلق العدالة فالظاهر منها هو المعنى الأول و إطلاقه على غيره مجازا إذا عرفت هذا فنقول هذا الشرط قد ذكره جماعة ونسب إلى المشهور والشيخ في العدة نفي الخلاف عنه و الشهرة غير ثابتة وكلام الشيخ مؤول بما سيأتي ذكره وذهب جماعة إلى كفاية تحرز الراوي عن تعمد الكذب وإن كان فاسقا بجوارحه وادعى الشيخ في كتاب الحديث أن الطائفة عملت بأخبار جماعة هذه صفتهم قال المحقق بعد نقله ونحن نمنع هذه الدعوى و نطالب بدليلها ولو سلمناها لاقتصرنا على المواضع التي عملت فيها بأخبار خاصة ولم يجز التعدي في العمل إلى غيرها انتهى وقد تقدم من الشيخ نقل الاجماع على اشتراط العدالة فيتحقق التعارض بين كلاميه ويمكن الجمع بحمل العدالة هناك على معناها الأعم بقرينة كلامه هذا لكن يشكل بتصريحه هنا بكونه فاسقا بجوارحه وهو لا يجتمع مع العدالة بمعنييها إلا أن يريد ما لا يكون فسقا في مذهبه و هو بعيد أو يريد بالعدالة هناك مجرد التحرز عن الكذب وهو إطلاق غير معروف ويمكن الجمع أيضا بتنزيل كلامه الأول على أن العدالة شرط في جواز العمل بالخبر وإن تجرد عن معاضد خارجي و كلامه هذا على جواز العمل به مع وجود المعاضد وربما يؤيد ذلك ما ذكره المحقق في المعتبر حيث قال أفرط الحشوية في العمل بخبر الواحد حتى انقاد والكل خبر وما فطنوا لما تحته من التناقض فإن من جملة الاخبار قول النبي صلى الله عليه وآله ستكثر بعدي القالة علي وقول الصادق عليه السلام إن لكل رجل منا رجلا يكذب عليه و اقتصر بعض عن هذا الافراط فقال كل سليم السند يعمل به وما علم أن الكاذب قد يصدق والفاسق قد يصدق ولم يتنبه على أن ذلك طعن في علماء الشيعة وقدح في المذهب إذ لا مصنف إلا وهو قد يعمل بخبر المجروح كما يعمل بخبر العدل إلى آخر ما ذكره لكن كلامه هنا ينافي ما حكينا عنه من منعه العمل بخبر غير العدل في غير ما ثبت إجماع العصابة فيه بالخصوص ويمكن الجمع بتنزيل ذلك على ما إذا تجرد عن معاضد خارجي أو ينزل كلامه هنا على العمل مع ثبوت الاجماع لكن التأييد إنما يتم على الوجه الأول وكيف كان فالأقرب عندي الاكتفاء بكون الراوي ممدوحا بما يوجب الظن بتحرزه عن الكذب ويحصل الاعتماد على روايته وإن لم يبلغ درجة التوثيق لا سيما إذا كان إماميا و خصوصا إذا لم يصرح بكونه فاسقا بجوارحه لنا أن المدار في جواز العمل بخبر الواحد في أمثال زماننا على الظن بصدقه وصحة صدوره إما باعتبار ضبط الراوي وتحرزه عن الكذب أو باحتفافه بأمارة خارجية مفيدة للوثوق به كالشهرة وعمل الطائفة وهذا هو الذي يظهر من طريقة المتقدمين من أصحابنا فإنا نراهم كثيرا ما يعملون بالمراسيل ويعتمدون على الروايات الضعيفة الأسانيد بل ربما تجدهم يطرحون الأخبار الصحيحة ويعملون بالاخبار الضعيفة لاعتضادها بالامارات المرجحة يعرف ذلك بالتتبع في كلماتهم و التصفح في مطاوي مصنفاتهم وأما الجمود على الأخبار الصحيحة فقط أو مع الموثقة كما ارتكبه المحقق وجماعة ممن تأخر عنه فمع عدم مساعدة دليل عليه كما سننبه عليه مخالف للاعتبار فإن صحة كثير من تلك الأخبار وتوثيق رجالها والتميز بين مشتركاتها ظنية مبنية على أمارات اجتهادية مستنبطة من قرائن الأحوال أو مستفادة من كلمات علماء الرجال والترجيح بين مختلفات الأقوال ولا خفاء في
(٢٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 ... » »»