الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٠٠
من حيث إنها هي الشرط فلا بد من إقامة الدليل على جواز التعويل عليها وكونها طريقا بعد ثبوت أصل الاشتراط وهذا واضح مع أن حصر الدليل في الاجماع غير واضح لان الأصل وآية النبأ يدلان على ذلك أيضا الثالث قوله تعالى إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا فإنه تدل بمفهومه على قبول خبر العادل مطلقا فيتناول لتزكيته أيضا واعترض عليه في المعالم بأن مبنى اشتراط العدالة في الراوي على أن المراد من الفاسق في الآية من له هذه الصفة في الواقع فيتوقف قبول الخبر على العلم بانتفائها وإنما صرنا إلى قبول الشاهدين لقيامهما مقام العلم شرعا وفرض العموم في الآية على وجه يتناول الاخبار بالعدالة يؤدي إلى حصول التناقض في مدلولها وذلك لان الاكتفاء في معرفة العدالة بخبر الواحد يقتضي عدم توقف قبول الخبر على العلم بانتفاء صفة الفسق ضرورة أن خبر العدل بمجرده لا يوجب العلم فلا بد من حملها على إرادة الاخبار بما سوى العدالة هذا كلامه ثم أورد على نفسه النقض بشهادة العدلين حيث إنها لا يفيد العلم أيضا وأجاب بأن ما دل على قبول شهادة العدلين دليل خارجي فيجوز تخصيص الآية به ولا محذور فيه ولا يخفى ما فيه إذ ليس في الآية دلالة على توقف قبول خبر الواحد على العلم بانتفاء صفة الفسق عنه وإنما يدل على توقفه على انتفاء صفة الفسق عنه في الواقع سواء علم به أو لم يعلم نعم حيث لا سبيل إلى الوقوف على الواقع إلا بطريق موصل إليه فالعقل إنما يستقل بكون العلم طريقا وأما غيره فإن قام دليل على كونه طريقا جاز التعويل عليه وإلا لم يجز لا لدلالة الخطاب عليه بل لحكم العقل بأصالة عدم كون ما لم يثبت كونه طريقا طريقا فإذا سلم أن الآية تدل بمفهومها على جواز التعويل على قول غير الفاسق مطلقا كانت ناهضة بإثبات كونه طريقا فيرتفع فيه حكم الأصل ولا تناقض وكذا الحال في شهادة العدلين فإن ما دل على قبولها لا يخصص الآية كما زعمه المعترض بل يرفع الحكم العقلي الثابت في الظاهر وأما ما أجاب به بعض المعاصرين من أن العادل والفاسق الواقعيين ليسا في مقابل مظنون العدالة والفسق بل في مقابل مجهول الحال والمراد بهما من يطلق عليه عليه اسم العادل والفاسق وهما يطلقان على من ظن عدالته وفسقه وكذا الكلام في إضرار الصوم للمريض وإنبات اللحم واشتداد العظم في الرضاع فإن المراد بهما ما يطلق عليه اللفظان وهما يطلقان على ما يظن كونه مشتملا على الاضرار أو الانبات والاشتداد بإخبار الطبيب وأهل الخبرة فلا يخفى ما فيه فإن العادل والفاسق الواقعيين ليسا في مقابل مجهول الحال بدليل أن مجهول الحال إما عادل واقعي أو فاسق واقعي فكيف يمكن اعتبار المقابلة بينهما ودعوى صحة الاطلاق على المظنون اتصافه بأحد الوصفين ممنوعة على الاطلاق بل الاطلاق المعتبر هناك مشروط بدلالة دليل على اعتبار ذلك الظن وأما جواز الافطار عند الاخبار بإضرار الصوم فليس لصدق الضرر بل لتحقق خوف الضرر ولهذا يجوز الافطار وإن لم يستند الظن إلى إخبار أحد وأما إنبات اللحم واشتداد العظم في الرضاع فلا يعتبر فيهما مجرد الظن بل لا بد من القطع أو ما ثبت قيامه مقامه كشهادة العدلين القاطعين بهما ولو بحسب العادة ثم قال مع أن اشتراط العلم بالعدالة مستفاد من المنطوق فلا مانع من تخصيصه بمفهومها ولا يخفى ما فيه مما مر فإن اشتراط العلم مستفاد من القاعدة العقلية لا من الخطاب مع أنه على تقدير استفادته منه فهو مستفاد من المفهوم دون المنطوق كما لا يخفى ومما حققنا يظهر جواز الاعتماد على تعديل غير الامامي للراوي ممن يحصل الظن بتوثيقه كحسن بن علي بن الفضال و كذا الكلام في الجرح والتفصيل بقبول الأول منه دون الثاني كما نقل عن البهائي لا وجه له إلا أن يمنع حصول الظن بجرحه وهو على إطلاقه ممنوع وحكي عن العلامة أنه لم يقبل رواية أبان بن عثمان لكونه ناووسيا ولعله نظر إلى ما رواه الكشي عن علي بن حسن بن فضال من أن أبان كان ناووسيا ويشكل بأن الجارح على هذا التقدير غير مقبول فكيف يعتمد بجرحه إلا أن يكون مبنيا على الاعتماد على مطلق الظن في الرجال خاصة أو يكون عاثرا على مستند آخر حجة القول باشتراط التعدد قيام الاجماع على ثبوت العدالة بتعديل العدلين وانتفاء الدليل فيما عداه فيقتصر بها عليه ويرجع في غيره إلى الأصل وجوابه ظاهر مما مر فصل اختلفوا في قبول الجرح والتعديل المجردين عن ذكر السبب فذهب قوم إلى القبول مطلقا وآخرون إلى عدم القبول مطلقا وفصل ثالث فقبله في الجرح دون التعديل ورابع فعكس وذكر الفاضل المعاصر أن هذه الأقوال الأربعة للعامة وهو كما ترى وخامس فقبله فيهما إن كان المزكي والجارح عارفين بالأسباب وإلا فلا وهو مختار العلامة تبعا للرازي وسادس فقبله فيهما إن علم عدم المخالفة وإلا فلا وهو مختار صاحب المعالم وحكاه عن والده الشهيد الثاني وهو راجع إلى القول الثاني كما لا يخفى والأقرب عندي هو القول الأول لنا أن العدالة عبارة عن حالة لها مقتضيات منها قبول قول صاحبها في الشهادة والجرح عبارة عن حالة لها مقتضيات منها رد قول صاحبها في الشهادة فإذا قامت الحجة الشرعية من البينة المعتبرة على وجود تلك الحالة وكشفت عن تحققها وجب القبول و لا يقدح وقوع الاختلاف في تعيين معنى العدالة وأسبابها وابتناء الشهادة على رأي الشاهد المجهول اعتباره إذ لا تعويل عندنا على تعديل غير أصحابنا والمعروف بينهم عدم الاكتفاء بما دون حسن الظاهر وقد عرفت أنا وإن استظهرنا القول بأنها الملكة لكن نكتفي بحسن الظاهر طريقا إليها وهو كالملكة حالة لها مقتضياتها ولو بواسطة الكشف عنها والاختلاف في الأسباب لا يقدح في قبول الشهادة بالمؤدى وإلا لم تقبل الشهادة بالملك والنكاح والحرية و الرقية وما أشبه ذلك مما وقع الاختلاف في أسبابها إلا بعد بيان السبب وبطلانه واضح وعموم الأدلة وإطلاقها حجة عليه مضافا إلى تنزيل كلام المسلم العدل على المعنى الصحيح مع صلوحه له وأما عدم قبول الشهادة على الرضاع المحرم إلا بعد ذكر
(٣٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 ... » »»