وهذا على إطلاقه بعيد جدا فمنها البلوغ فلا يقبل رواية الصبي وإن كان مميزا بلا خلاف بين أصحابنا كما حكاه جماعة ووافقنا عليه أكثر مخالفينا واحتجوا بأن الصبي لا يتمكن من الضبط فلا وثوق بخبره وبأن عدم قبول خبر الفاسق كما سيأتي يقتضي عدم قبول خبر الصبي بطريق أولى لأنه باعتبار علمه بانتفاء التكليف عنه لا حاجز له عن الكذب بخلاف الفاسق فإن له باعتبار التكليف خشيته من الله فربما يحجزه عن الكذب ويمكن دفع الأول بأن الصبي قد يكون ضابطا ومنعه على الاطلاق غير مسموع والثاني بأن الحاجز عن الكذب لا ينحصر في الخشية منه تعالى بل قد يكون لسلامة الفطرة أو طلبا للكمال أو تنزها عن رزائل الافعال أو طلبا للمثوبة أو القرب إليه تعالى بمعانيه المقررة أو خوفا من إصابة مكروه دنيوي أو تفويت شرف أخروي مع أن دعوى وجود الخشية في الفاسق ممنوع بالنسبة إلى كثير من أفراده كما يشاهد بالعيان بل التحقيق أن يتمسك في منع قبول خبره بناء على الطريقة التي حققناها بعدم كونه مما يظن حجيته إن لم يقطع أو يظن بخلافها وأما على الطريقة العاملين بمطلق الظن فلقيام الاجماع على عدم جواز العمل به فيستثنى من جملة الطرق كما يستثنى القياس وشبهه منها لقيام الدليل عليه ولو منع من تحقق المحصل منه فلا ريب في تحقق المنقول منه بخبر الواحد فإن قلنا بحجية خبر الواحد في الأصول أيضا وجعلنا نقل الاجماع منه تم المنع وإلا فلا وذهب بعض العامة إلى قبول خبر المميز قياسا له بجواز الاقتداء به ورد بمنع حجية القياس أولا و بمنع الحكم في المقيس عليه ثانيا وببيان الفارق ثالثا لتجويزهم القدوة بالفاسق مع عدم قبول خبره ثم العبرة في هذا الشرط بالنسبة إلى حال الأداء دون التحمل فلو تحمله صبيا وأداه بعد البلوغ قبل إذا تحققت في حقه بقية الشرائط ولهذا قبلوا رواية ابن عباس و أضرابه ممن تحمل الرواية قبل البلوغ ولم نقف في ذلك على مصرح بالخلاف وما يقال من أن عدم قبول الصدوق لما يرويه محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن إنما هو لتحمله عنه حال صغره غير ثابت الثاني العقل فلا يعتبر خبر المجنون اتفاقا ووجهه واضح نعم لو كان أدواريا وأخبر حال إفاقته قبل أن استجمع لبقية الشرائط وكذا الحال في النائم والمغمى عليه والسكران الثالث الاسلام و الاجماع على اعتباره محكي في كلام الخاصة والعامة فلا يقبل رواية الكافر وإن انتحل الاسلام في الظاهر كالغالية والناصبة و المجسمة ومن أنكر بعض الضروريات من غير شبهة أو فعل ما يقتضي بكفر فاعله من الإهانة والاستخفاف بالشرع وأما تعويل الأصحاب على رواية هشام مع رميه بالتجسم وقبول بعضهم لرواية جابر الجعفي مع رميه بالغلو إلى غير ذلك فمبني على عدم ثبوت ذلك عندهم فقبول ما ثبت عندهم للتأويل لقيام أمارة أو دليل عليه أو أنهم إنما عولوا على خبرهم عند اعتضاده بأمارات خارجية مفيدة للوثوق به وهذا الشرط إنما يعتبر عند خلو الخبر عن تلك الامارات كبقية الشرائط ومن هذا الباب اعتمادهم في بعض الموارد على رواية علي بن أبي حمزة مع رمي بعض له بالنصب واحتجوا على اعتبار هذا الشرط بالاجماع وبقوله تعالى إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ووجه الدلالة أن الكافر فاسق في العرف المتقدم كما يظهر بالاستقراء وإن اختص في العرف المتأخر بالمسلم الفاسق بجوارحه ويدل عليه قوله تعالى ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ولئن سلم اختصاصه في العرف المتقدم به أيضا لدلت الآية على المنع من قبول خبر الكافر بمفهوم الموافقة وفيه أولا أن الاحتجاج المذكور إنما يتم إذا كانت العلة في عدم قبول خبر الفاسق عدم الوثوق به و هو ممنوع وإلا لزم اختصاصه ببعض الفساق لحصول الوثوق بخبر البعض وهو خلاف المنطوق ومع ذلك لا يعم الحكم كل كافر و يمكن دفعه بأنه لما كان المناط في قبول الخبر حصول الوثوق بمخبره ولو غالبا وكان الغالب في الفاسق عدم الوثوق به ولم يكن سبيل إلى ضبط محل الوثوق منع من قبول قوله مطلقا والعلة الموجودة في الفاسق موجودة في الكافر فيتسرى الحكم إليه وفيه ما فيه و ثانيا أن الدلالة بمفهوم الموافقة إنما تتم إذا كانت العلة وهي انتفاء الوثوق والاعتماد بخبر الكافر أقوى من انتفائه بخبر الفاسق وهو ممنوع وإنما المسلم المساواة وأما ما يقال من أن الاعتماد على الكافر الثقة أكثر من الفاسق الغير المتحرز عن الكذب فيمكن دفعه بأن المدار على نوع الفاسق لا على خصوص فرد منه فأكثرية الاعتماد بالنسبة إلى بعض الافراد غير مفيدة والأولى أن يقال تعليل الحكم بما ذكر مستفاد من مساق الآية فهو بمنزلة منصوص العلة وإن لم يصرح بها لفظا أو أنه من باب تنقيح المناط و ذكر الفاضل المعاصر في توجيه الاحتجاج بالآية وجها ثالثا وهو أنا لو سلمنا عدم تبادر الكافر من الفاسق فلا نسلم تبادر عدمه منه غاية الامر الشك فيه وحيث إن الحكم معلق على الفاسق الواقعي فقبول الخبر مشروط بعدم كونه فاسقا واقعيا وهو غير معلوم في حق الكافر فلا يمكن الحكم بقبول خبره ويشكل بأنه يكفي في قبول قول الكافر عدم تبادره من الفاسق إذ اللفظ إنما يحمل على ما هو المتبادر منه وكأنه يريد أنا لو سلمنا عدم العلم بتبادر الكافر من الفاسق فلا نسلم العلم بعدم تبادره منه كما يدل عليه قوله غاية الامر الشك وحينئذ فيتجه الاشكال عليه بعدم إثباته للمدعى هذا و التحقيق أن الاستدلال بالآية لا يتم كما سننبه عليه فالوجه أن يتمسك بالاجماع المدعى على الاشتراط إن تم وإلا فإن عول على ما حققناه من أن التعويل بعد انسداد باب العلم إلى تعيين ما هو الحجة من الاخبار على الظن فلا ريب أن لا ظن بحجية خبر الكافر إن لم نظن بعدمها وكذا إذا قلنا بانسداد باب العلم إلى الأدلة وأما على القول بحجية مطلق الظن في الاحكام بعد انسداد باب العلم فإن قلنا بحجية نقل الاجماع في الأصول تم الاحتجاج به أيضا وإلا فلا محيص عن القول بحجية ما أفاد منه الظن وأما ما ذكره بعض المعاصرين من أن الاجماع المنقول في المقام يضعف الظن الحاصل بخبر الكافر فغير سديد لان غاية ما يلزم منه عدم الظن بحجيته لا عدم الظن بما
(٢٩١)