السيد على المنع فهو إنما يتجه بالنسبة إلى زمن التمكن من تحصيل الاحكام بطريق القطع كزمنه لقرب عهده بصاحب الشريعة وتوفر الامارات عنده وقد نبه على ذلك حيث قال إن معظم الفقه يعلم بالضرورة من مذاهب أئمتنا عليهم السلام وبالاخبار المتواترة وما لم يتحقق فيه ذلك فنعول على إجماع الإمامية وفي سائر المتخالفات يرجع إلى التخيير بين الأقوال انتهى ولا خفاء في أن ما ادعاه من معلومية معظم الفقه بالضرورة من المذهب مما لا سبيل إليه في زماننا هذا بل جملة من طرق الفقه منسدة في زماننا هذا بالنسبة إلى معظم الاحكام فلا يتمشى إجماع المذكور إليه وقد اعترف السيد في مسألة الامر بالشئ مع علم الامر بانتفاء شرطه أن الظن يقوم مقام العمل عند انسداد الطريق وهذا التزام منه بوجوب العمل بالظن في أمثال زماننا هذا ومن هنا يتبين ضعف ما ذكره أخيرا من التخيير بين الأقوال عند انقطاع طريق العلم إذ قضية ما ذكره هناك وجوب الرجوع حينئذ إلى الطرق الظنية ثم إن بعض المتأخرين رام الجمع بين الاجماع الذي حكاه السيد والاجماع الذي حكاه الشيخ لتناقضهما مع تقارب عهدهما فنزل كلام الشيخ على حجية الاخبار التي يقطع بصدورها عن المعصوم قطعا عاديا بمعنى ما يطمئن النفس بصدورها عن المعصوم قال وهذا مراد السيد بالعلم لأنه معناه عرفا ولغة وإطلاقه على ما لا يحتمل النقيض عقلا مبني على اصطلاح علماء المعقول وزعم أن ما عول عليه الشيخ من أخبار العدول و الثقات مما يفيد العلم العادي بصحتها وصدقها واستشهد على ذلك بأنه إذا أخبرنا ثقة بما يستند إلى مشاهدته أو سماعه وجدنا لأنفسنا سكونا وركونا إلى خبره وهذا معنى العلم العادي وأنت خبير بأنه تكلف بارد وتوجيه فاسد فإن كلام الشيخ نص في حجية الاخبار الغير المفيدة للعلم حيث اعتبر تجردها عن القرائن المفيدة للعلم و أفرد ذكر الاخبار المحفوفة بالقرائن مع أنها لو كانت مقطوعة الصحة عنده لما كان لاحتجاجه على حجيتها بالاجماع معنى لتساويهما في الظهور والحجية كما لا يخفى ومن هنا يظهر أيضا ضعف ما زعمه صاحب المعالم من أنه لم يظهر من الشيخ مخالفته للسيد لقرب عهده بزمان المعصومين عليهم السلام ووجود القرائن المعاضدة كما ذكره السيد ورد بذلك على العلامة حيث نسب الخلاف إلى الشيخ ونزل على ذلك ما ذكره المحقق من أن ما يستفاد من كلام الشيخ تعويله على هذه الأخبار التي رويت عن الأئمة عليهم السلام ودونها الأصحاب دون مطلق الخبر وإن كان الراوي عدلا أمينا وأنت خبير بأن كلام المحقق مما لا دلالة على ذلك ثم دعوى إفادة الخبر الواحد الثقة للعلم في نفسه مما يخالف البديهية والعيان ويكذبه الوجدان لا سيما إذا تعددت الوسائط وخصوصا إذا كان الاخبار عن المطالب العلمية مع ما نرى من كثرة الاختلاف وتوافر أسباب الخلط و الاشتباه على أن وثاقة كثير من الرواة مما لا قطع للشيخ ظاهرا فكيف بما يقطع بما يتفرع عليها ولو كان خبر الثقة في نفسه مفيدا للعلم لجرى الطريقة على قبول قول الشاهد الواحد الثقة بل قول المدعي وحده إذا كان ثقة وقد يتعذر للسيد بأنه اعتد فيما ذكره على أوائل المتكلمين من أصحابنا والعمل بخبر الواحد بعيد عن طريقتهم فغفل وعم الدعوى وأن الشيخ نظر إلى مسلك الفقهاء والمحدثين من أصحابنا وطريقتهم جارية على العمل به الرابع أن الظن الحاصل من خبر الواحد معارض بالظن الحاصل من أصل البراءة فيتكافئان فلا يبقى وثوق بالخبر والجواب أن الأصل بمجرده لا يفيد الظن بالبراءة لا سيما إذا ورد في مقابلة خبر معمول عليه وإلى هذا يرجع ما قيل من أن الظن الحاصل من الأصل أضعف من الظن الحاصل من الخبر فلا يصلح لمعارضته الخامس أنه حيثما يوجد خبر واحد فهناك يجوز وجود معارض أقوى منه ولو من نوعه فلو عمل به لزم العمل بالأضعف مع وجود الأقوى والجواب أن مجرد التجويز لا يقدح في حصول الظن بالخبر إذا كان وجود المعارض موهونا بعيدا كما هو محل الفرض السادس أن النبي صلى الله عليه وآله توقف في العمل بخبر ذي اليدين حيث قال أ قصرت الصلاة أم نسيت فقال كل ذلك لم يكن حتى أخبره آخران به وذلك يدل على عدم قبول قول الواحد و الجواب أن الرواية المذكورة مخالفة لما تحقق عندنا من امتناع السهو و النسيان على النبي صلى الله عليه وآله فهي مطروحة لانتفاء شرط القبول في حقها ولو سلم فلا ريب في أن خبر الواحد إنما يقبل مع استجماعه لشرائط القبول فلعل بعضها كان مفقودا في حق المخبر كما يدل عليه قبول الخبر عند انضمام خبر الآخرين القبول إليه فإن ذلك لا يخرجه عن كونه خبرا واحدا مع أن المقصود إثبات حجية خبر الواحد في الاحكام لا في موضوعاتها والرواية إنما تدل على المنع في الثاني على أن التمسك بهذه الرواية مع كونها خبرا واحدا على عدم حجية خبر الواحد بظاهره تدافع إلا أن يكون المقصود إلزام القائلين بحجيته ولا يخفى ما فيه فصل يشترط في قبول خبر الواحد بناء على جواز العمل به أمور وهذه الشروط إنما تعتبر عند من قال بحجية خبر الواحد من حيث الخصوص كما هو المعروف بين أصحابنا سواء قال بحجيته من حيث كونه مفيدا للظن المخصوص أو من حيث نفسه والفرق بينهما عند التحقيق اعتباري إذ على الأول يراعى في وصفه بالحجية حصول الظن به بعد قطع النظر عن معارضة ما لم يثبت الاعتداد بمعارضته شرعا بخلافه على الثاني وهذا إنما يتم على القول بعدم انسداد باب العلم إلى الأدلة التي يجب علينا العمل بها إجمالا وتفصيلا وعلى القول بانسداد باب العلم إليها بناء على ما اخترناه من أن قضية ذلك فتح باب الظن في معرفة الأدلة وأما على ما بنى عليه جماعة من متأخري المتأخرين من حجية خبر الواحد من حيث كونه مفيدا للظن المطلق فلا وجه لذكر هذه الشرائط إلا أن يلتزموا بعدم حصول الظن من فاقدهما فيكون المقصود بذلك تعيين موارد الظن وهذا على إطلاقه ممنوع قطعا أو أن الفاقد لها مما قام دليل على عدم حجيته كالقياس والاستحسان
(٢٩٠)