هو ما دل عليه اللفظ لاقترانه بما يستبعد معه عدم إرادته واعلم أن القرائن التي توجب صرف اللفظ عن معناه الحقيقي إلى المعنى المجازي قد توجب ذلك لتوقف صدق الكلام عليه كالنفي في قوله تعالى لا يمسه إلا المطهرون فإنه محمول على النهي مجازا والقرينة عليه لزوم الكذب على تقدير حمله على النفي أو صحته كقولك جئني بأسد يرمي فإن الأسد الحقيقي لا يصح إسناد الرمي إليه أو لاقترانه بما لولاه لكان مستبعدا من شهادة حال أو ضميمة مقال كقولك رأيت أسدا في الحمام فإن التقييد بكونه في الحمام يبعد كونه أسدا حقيقيا وكذا إذا كان في المقام ما يفيد ذلك ولا خفاء في أن قرينة المجاز لا تخلو عن أحد هذه الأقسام فدلالته ترجع إلى إحدى هذه الدلالات فيكون دلالته على الأوليين دلالة اقتضائية وعلى الأخير دلالة إيمائية وزعم بعض المعاصرين أن دلالة المجاز الذي يكون قرينة غير العقل داخلة في المنطوق الصريح أو لا بد من ذكر قسم آخر يشملها وذلك لما استظهر من أمثلتهم للدلالة الاقتضائية من اختصاصها بالمجاز في الاعراب أو ما يكون قرينة العقل وهذا فاسد من وجوه أما أولا فلان إدخال المجاز في المنطوق الصريح غير سديد لأنه ليس بمدلول مطابقي على ما هو للمعروف بينهم في تعريف المطابقة مع أن العضدي صرح هنا باعتبار الوضع كما فعلناه و لم نقف على من ينكر ذلك منه وذلك آية كون الاصطلاح جاريا عليه وأما ثانيا فلان جعل القسمة غير شاملة لمثل هذا القسم مع أنه من معظمها وأظهرها مما لا يقبله الذوق السليم لما فيه من دعوى خفاء مثل هذا الامر البين على أنظار المحققين وأما ثالثا فلان عناوينهم لبعض الأقسام المذكورة يشمل بإطلاقها المجاز بأقسامه فلا وجه لتخصيصه بالمجاز في الاعراب أو المجاز الذي قرينته العقل بمجرد ذكرهم مثالا أو مثالين من بابه مع أن المثال الذي ذكروه للذي قرينته العقل من باب المجاز في الاعراب أيضا وهذا ظاهر فصل اختلفوا في أن التقييد بالشرط هل يقتضي نفي الحكم عند انتفائه أو لا فذهب إلى كل فريق والأكثرون على الأول ولنبين أولا معنى الشرط ليتضح مورد البحث فنقول الشرط في اللغة إلزام الشئ والتزامه صرح به غير واحد منهم ومنه الشروط التي تقع في العقود وأما الشرط بمعنى العلامة فالظاهر أنه بالتحريك كما نص عليه بعضهم و منه اشتراط [أشراط] الساعة وليس بالسكون على ما زعم وأما عرفا فقد يطلق ويراد به مصطلح أهل المعقول وقد مر تحقيقه في بحث المقدمة وقد يطلق ويراد به السبب صرح به بعضهم وقد يطلق ويراد به الجملة المصدرة بإحدى أدوات الشرط كإن وأخواتها وهذا هو المراد في المقام وقد جرى عليه مصطلح علماء العربية ثم منهم من قرر النزاع في الامر المقيد بالشرط ومنهم من قرره في الحكم المقيد به ومنهم من جعله في التعليق به والظاهر أنه لا فارق في المقام فإن الأخيرين متوافقان وتخصيص الأول له بالامر ناظر إلى وقوع بحثه عنه في مبحث الامر والظاهر أن النزاع في المقام لا يختص بالتعليق بكلمة إن وتحرير جماعة لموضع النزاع في التعليق بها ليس نصا في التخصيص لامكان التنزيل على التمثيل فيطابق تحرير غيرهم له في التعليق على الشرط وحينئذ فهل يختص النزاع بأدوات الشرط أعني إن ولو وإذا إذا استعملت في الشرط أو يجري فيها وفيما يتضمن بمعنى الشرط من الظروف المبنية أو يجري فيهما و فيما يشعر به كالفاء الداخلة على جزاء الموصول أو الموصوف حيث إنها مشعرة باعتبار معنى الشرط بين الجملتين على ما هو الظاهر أو كالموصول والموصوف حيث يدخل الفاء على خبرهما بناء على ما ذكره أهل العربية من تضمنهما حينئذ معنى الشرط وجوه ثم من المثبتين من نص على أن الدلالة المذكورة ثابتة بالوضع ومنهم من أثبتها بالنظر إلى دليل الحكمة وأطلق الباقون والظاهر من مثبتيها بالوضع ثبوتها عندهم بطريق الالتزام وذهب بعض الأفاضل إلى ثبوتها بالتضمن ثم الظاهر من أكثر المثبتين القول بدلالته على انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط مطلقا والظاهر من النافين نفي دلالته على ذلك مطلقا والتحقيق أنه يدل بالالتزام على انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط بالوضع في الجملة وبالاطلاق مطلقا لنا أن المتبادر من التقييد بإن وأخواتها تعليق الجزاء على الشرط بمعنى إفادة أن الثاني لازم الحصول لحصول الأول ومرجعه إلى أن للشرط علقة بالجزاء يقتضي بها عدم انفكاكه عنه وحيث تنحصر هذه العلقة أعني علقة اللزوم في علقة العلية بأنواعها الثلاثة صح أن يكون الشرط سببا للجزاء إما سببا عقليا كقولك إذا أراد الله شيئا كان أو وضعيا نحو إن ظاهرت فكفر وأن يكون مسببا عنه مساويا له نحو إن كان النهار موجودا كانت الشمس طالعة وأن يكونا معلولين لعلة واحدة كذلك نحو إن كان النهار موجودا كان العالم مضيئا فأدوات الشرط في هذه الموارد ونظائرها إنما تستعمل لإفادة كون الجزاء لازم الحصول للشرط وإما أن الشرط سبب للجزاء أو مسبب عنه أو مشارك له في العلة فمستفاد من اعتبار أمور خارجة و لا اختصاص لها بأحدها نعم حيث يكون الجزاء إنشاء لا يصح أن يعتبر الشرط فيه مسببا عن الجزاء لظهور أن المعنى لا يستقيم فيتعين أن يكون شرطا أي سببا له نحو إن ظاهرت فكفر فإن الظهار سبب وضعي لوجوب الكفارة ومطلوبيتها أو ملزوما لشرطه بأن يكونا معلولين لعلة واحدة نحو إذا شاهدت موضع كذا فقل كذا إذا كان السبب الوضعي للطلب ما هو لازم المشاهدة كالقرب المخصوص دون نفسها لكن حيث إن الظاهر من اللزوم عند الاطلاق هو اللزوم بدون الواسطة يتبادر منه عند الاطلاق كون الشرط شرطا والجزاء مشروطا بل نقول الظاهر من اعتبار المقدم ملزوما والتالي لازما أن يكون الملزوم شرطا بالمعنى المتقدم واللازم مشروطا له مطلقا ومنشؤه أن صفة اللازمية لازمة للمشروط دون الشرط فإنه قد لا يكون لازما فلها مزيد اختصاص به ولهذا ينصرف مطلقها إليه فهذا هو السر في تبادر شرطية الشرط للجزاء عند الاطلاق مطلقا لا كون إرادته موضوعة لذلك إذ المفهوم منها في الموارد المذكورة ليس إلا معنى واحد وهو كون الجزاء لازما للشرط وإذا ثبت أن قضية إطلاق التعليق شرطية المقدم للتالي لا سيما إذا كان إنشاء فنقول كما أن
(١٤٧)