واحد فيمتنع لحوق الفصول المتناقضة ثم ما ذكرناه من جواز الاجتماع في بعض الصور إنما يتم إذا فسر الاستحباب برجحان الفعل مع عدم المنع من الترك كما هو المعروف وأما إذا فسر برجحان الفعل أو مطلوبيته مع الاذن في الترك أي مع كونه مأذون الترك أو جائز الترك امتنع الاجتماع ضرورة أن الاذن في الترك مطلقا كما هو المعتبر في الاستحباب ينافي عدمه المعتبر في الوجوب مطلقا ولا يجدي تغاير الجهة والحد الأول أسد وأولى وتحقيقه أن الرجحان لما كان من الصفات المشتملة على المراتب المختلفة بالشدة و الضعف فالنوع الكامل رجحان يشتمل على المنع من النقيض وهو الرجحان الوجوبي والناقص منه رجحان لا يشتمل على المنع وهو الرجحان الندبي وأما كون تركه مأذونا فيه فخارج عن حقيقة الرجحان ومقوماته وإنما هو من المقارنات الاتفاقية حيث لا يوجد في الفعل جهة تقتضي المنع من تركه ومما حققنا يتضح الحال في اجتماعهما مع الحرمة والكراهة واجتماع إحداهما مع الأخرى فإن الأول يمتنع مطلقا لظهور التدافع بين إرادة الفعل والترك معا على الاطلاق و لا يجدي فيه تغاير الوجه والجهة وقد نبهنا عليه سابقا والثاني يبنى على تعيين ماهية الحرمة والكراهة فإن فسرتا برجحان الترك مع المنع من الفعل أو عدمه جاز الاجتماع على نحو ما مر بأن كان أحدهما نفسيا والاخر غيريا أو كانا غيريين مع تعدد الأغيار وإن فسرتا برجحانه مع الاذن في الفعل أو عدمه امتنع الاجتماع مطلقا و أما تداخل بعض العبادات كالأغسال فلا إشكال في تداخل الواجبات منها ولا في تداخل المندوبات منها مع اعتبار النية لان مرجعه عند التحقيق إلى التخيير بين أفعال تشتمل كل واحد منها على نية وبين فعل يشتمل على تلك النيات وهما متغايران وفي الأخير إن جعلت النية شطرا تعدد الموضوع فيتعدد الاحكام مطلقا وإن جعلت شرطا لم يتعدد فيتأكد الحكم ما لم يختلف بالنفسية والغيرية وكذا لو قلنا بتداخلها قهرا فيرجع إلى تأكد الوجوب أو الاستحباب عند تعدد الأسباب ما لم يختلف بالنفسية والغيرية ولا غبار عليه أيضا وأما تداخل الواجب منها مع المندوب فلا إشكال في الغيرية منهما مع تعدد الغير ولا في الغيرية مع النفسية كما مر وكذا في النفسية منها إن جعلنا الوجوب والندب لاحقين للفعل مع النية الخاصة بأن جعلنا النية شرطا من العمل لتغاير المورد فمحل الوجوب في المثال المذكور الغسل مع نية رفع الجنابة ومحل الاستحباب مع نية كونه للجمعة ولا ريب في تباين المركبين غاية ما في الباب أن يشتركا في جز وهو ما عدا النية فيلزم وجوبه في ضمن أحدهما واستحبابه في ضمن الاخر ووجوبه لأحدهما واستحبابه للاخر ولا إشكال في شئ منهما أما الأول فلان عدم المنع من تركه في ضمن مركب أعم من عدم المنع من تركه لا في ضمنه لصدقه على فعله مع ترك ما ينضم إليه فلا ينافي عدم جواز تركه في نفسه أو في ضمن مركب آخر وإن جعلناهما لاحقين للفعل بشرط النية كان بحكم الواجب المخير مع رجحان بعض آحاده فيمتنع اعتبار الندب فيه بمعناه الحقيقي ويصح اعتباره بمعنى كونه أفضل وأكثر ثوابا ويتعين هذا إذا قلنا بالتداخل القهري ولا سبيل إلى أن يعتبر الاستحباب بالنسبة إلى تحصيل الرجحان الزائد نظرا إلى أن الفاعل لغسل الجنابة إذا انضم إلى فعله قصد غسل الجمعة مثلا حصل لفعله مزيد رجحان لما يتبعه من مزيد صفة كمالية وهذه الزيادة من الرجحان مما لا منع من تركها ولا يلزم منه عدم المنع من ترك أصل الفعل أيضا لان تركها أعم من تركه كما لو أتى به و أهمل قصده وظاهر أن العام لا يستلزم الخاص وذلك لما مر من اتحاد التحصلين فيلزم اجتماع المتنافيين فيه وبالجملة فلا تضاد عندنا بين الوجوب والاستحباب إذا اختلفا وجها وجهة بأن اختلفا في النفسية والغيرية أو كانا غيريين وتعدد الأغيار أو كانا نفسيين و اعتبر كل منهما أو أحدهما في ضمن مركب فهذه أقسام ستة من الوجوب والاستحباب لا تضاد بينهما فيها وعلى قياسهما الحرمة و الكراهة فقد اتضح مما حققنا أن اجتماع الوجوب مع الاستحباب في الموارد المذكورة مبني إما على التأويل في الاستحباب بحمله على معنى الأفضلية فيكون دعوى الاجتماع على هذا التقدير توسعا أو على اعتبار التغاير في وجهي الوجوب والندب حيث يتحقق المغايرة فيرتفع التضاد لا على اعتبار التغاير في جهتي الفعل بأن يكون الفعل الواحد باعتبار ممنوع الترك مطلقا وباعتبار آخر غير ممنوع الترك مطلقا كما زعمه الموجه المذكور ثم التغاير بحسب الوجه على ما قررناه إنما يجدي في اجتماع الوجوب مع الندب والتحريم مع الكراهة وأما اجتماع الوجوب أو الندب مع الكراهة أو التحريم فلا لظهور التدافع بين إرادة الفعل والترك معا على الاطلاق وإن كان أحدهما نفسيا والاخر غيريا إذا ترتب عليه الغير وقد نبهنا على ذلك سابقا ومنه يظهر ضعف الاستشهاد بجواز الأول على جواز الثاني كما مر ممن فسر كراهة العبادة بالمعنى الثالث الثالث أن السيد إذا أمر عبده بخياطة ثوب ونهاه عن الكون في مكان فخاطه فيه فلا ريب في أنه يعد في العرف مطيعا وعاصيا باعتبار الجهتين وأجيب عنه بأن الظاهر في المثال المذكور إرادة تحصيل الخياطة بأي وجه اتفق سلمنا لكن لا نسلم أن الكون جز من مفهوم الخياطة فيختلف المتعلق سلمنا لكن نمنع كونه مطيعا والحال هذه واعترض المعاصر المذكور على الوجه الأول بأنه اعتراف بمذهب الخصم لا دفع له إذ مرجع قوله أراد تحصيل الخياطة بأي وجه اتفق أن حصول الامتثال بالفرد المخصوص إنما هو لتعلق الطلب بنفس الطبيعة والنهي بالخصوصية وهل هذا إلا ما عناه الخصم ويمكن دفعه بأن غرض المجيب حمل الخياطة في المثال على الأثر القائم بالثوب دون نفس الفعل الذي هو مقدمة لحصوله فحاصل كلامه أن المراد طلب الخياطة بهذا المعنى بأي مقدمة حصلت أي سواء حصلت بمقدمة جائزة كما لو خاطه في غير ذلك المكان أو بمقدمة محرمة كما لو خاطه فيه لا يقال فيجتمع الامر الغيري مع النهي النفسي لان الكون الخاص المحرم مقدمة للواجب فيجب له ويعود الاشكال لأنا نقول وجوب الواجب إنما يقتضي وجوب المقدمات الجائزة دون المحرمة لكن إذا جي بها سقط وجوب التوصل بغيرها وصح لامتثال بالواجب فإن مبغوضية المقدمة لا ينافي مطلوبية ذي المقدمة نعم يتجه عليه الاشكال بأن التوجيه المذكور إنما يستقيم
(١٣٦)