الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٥٨
بخلاف السبعين وذلك مفهوم العدد وأما أنه صلى الله عليه وآله لم يفهم أن حكم ما دون السبعين أيضا بخلافه فلا ينافي ما حكي عن القائلين بمفهوم العدد من أنهم يقولون به في جانب النقيصة أيضا لانتفاء شرطه وهو عدم الأولوية كما سيأتي والجواب فبمنع صحة الحديث وأن الظاهر أن ذكر السبعين للمبالغة والمراد نفي الغفران بالاستغفار الكثير سلمنا لكن ليس فيما نقلوه عنه صلى الله عليه و آله دلالة الآية على حصول الغفران فيما زاد بل على عدم دلالتها على نفيه فيه وهو خارج عن محل النزاع وأما مفهوما الزمان والمكان فيعرف الكلام فيهما بمقايسة ما مر واعلم أن ما ذكرناه مبني على تقدير أن يكون القول بالنفي جزئيا والقول بالاثبات كليا بمعنى أن يكون المفهوم هو الظاهر منها ما لم يقم قرينة على خلافه كما هو الظاهر من محل النزاع وقد أشرنا إليه وأما الاثبات الجزئي بمعونة القرائن أو بواسطتها فمما لا ريب فيه فإن قولك زيد جاءني في جواب من قال لك أجاءك زيد أو عمرو يفيد الحصر وكذلك قوله عليه السلام انزح ثلاثين لموت كذا فإن المفهوم منه أن العدد المذكور تمام الواجب أو المندوب لا سيما إذا وقع في مقام البيان ولهذا نحكم بأنه يعارض لما دل فيه على ما زاد عليه أو نقص عنه وأما الحكم بعدم وجوب الزائد على عدد الحد فليس بالمفهوم بل لعموم ما دل على منع الايذاء بغير حق وأما أن عدد الحد لا يزيد على ذلك فلما مر في مثال النزح من أن المفهوم في مثله عرفا كونه تمام العدد وأما عدم جواز الاكتفاء بما دونه فلعدم حصول تمام العدد وقس على ذلك الحال في الشهادة ونظائرها تذنيب يشتمل على أمور الأول ذكر الحاجبي وغيره أن لمفهوم المخالف بأقسامه شروطا الأول أن لا يكون المسكوت عنه أولى بالحكم أو مساويا للمذكور فيه و الأول على ثبوت الحكم فيه من باب مفهوم الموافقة الثاني أن لا يكون خارجا مخرج المعتاد نحو وربائبكم اللاتي في حجوركم فإن المعتاد كونهن في الحجور فقيد به لذلك أو لتنزيلهن منزلة الولد لا لمخالفة حكم اللواتي لسن في الحجور لحكمهن ومثل أيضا بقوله تعالى فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به حيث أن الخلع لا يكون غالبا إلا عند الخوف فلا يدل على عدم جواز الخلع عند عدم الخوف الثالث أن لا يكون جوابا لسؤال عن المذكور كما لو سئل هل في الغنم السائمة زكاة ونحو ذلك الرابع أن لا يكون هناك ما يوجب السكوت عن غير المذكور من جهالة أو خوف فتنة أو نحو ذلك الثاني ذكر بعضهم أن فائدة المفهوم إنما تظهر إذا كان الحكم فيه مخالفا للأصل وأما إذا كان موافقا له كما في الأمثلة التي استشهدوا بها فالحكم إنما يثبت فيها بالأصل ودعوى الحجية إنما نشأت من الغفلة عن ذلك لكون حكم المفهوم مركوزا في العقل من جهة الأصل ولا يخفى ما فيه إذ المفهوم الذي نقول بحجيته لا فرق فيه بين أن يكون موافقا للأصل أو مخالفا له مع أن الثمرة تظهر في الموافق عند التعارض الثالث لا ينحصر المفهوم في الموارد التي ذكرناها بل قد يوجد في موارد غيرها فمنها لفظ البعض فإن قولك أكلت بعض الرمان يدل على عدم أكل الجميع وقولك لا يحل أكل بعض اللحوم يدل على حلية أكل بعضها وقول المنطقيين لا منافاة بين صدق الجزئية والكلية مبني على عرفهم حيث إن طريقهم الجمود على المداليل الأصلية وعدم الاعتداد بالظواهر العرفية ومنها ليس كل إذا استعملت في السلب الكلي فإن قولك ليس كل كلام مفيدا وليس كل صديق وفيا يدل على أن بعض الكلام مفيد وبعض الصديق وفي وجواز وقوعه مستعملا في خلاف ذلك لا ينافي الظهور كما في قوله تعالى والله لا يحب كل مختال فخور حيث إنه للسلب الكلي وقس على ذلك ما يناظره القول في العام والخاص فصل اعلم أن للقوم في العام حدودا كثيرة لا يسلم كلها أو جلها عن المناقشة أو الخلل المحوج إلى ارتكاب التعسف أو التحمل والتعرض بها بكثرتهما وكثرة ما يرد عليها يوجب التطويل الباعث على الملل فلنقتصر على ذكر حد واحد منها بما يرد عليه ثم نشير إلى بعض الحدود مع بعض ما يرد عليه في تضاعيف الكلام وفي ضمن الحد المختار فنقول قيل العام هو اللفظ المستغرق لما يصلح له واعترض على عكسه أولا بالمشترك إذا استغرق جميع أفراد أحد معانيه إذ لا يتناول أفراد معنى آخر وهو يصلح لها قلت و كذا الكلام بالنسبة إلى المعنى الحقيقي والمجازي في وجه فزاد بعضهم قوله باعتبار وضع واحد محافظة على دخول ذلك ويمكن دفعه بأن المراد استغراقه لجميع ما يصلح له على الوجه الذي يصلح له وهذا لا يتحقق فيما ذكر إلا باعتبار أحد المعاني على ما هو التحقيق لكنه لا يخلو من بعد وثانيا بالجمع المعرف فإن عمومه باعتبار تناوله لكل فرد ولا يصلح له لفظ الجمع نعم ينعكس عند من يجعل عمومه باعتبار الجماعات لكنه خلاف التحقيق وهذا الاعتراض مبني على اعتبار قيد الحيثية في الحد وإلا فكون عمومه باعتبار الافراد لا ينافي صدق الحد عليه باعتبار كونه مستغرقا للجماعات أيضا نعم ربما يشكل ذلك فيما لو انحصرت الافراد في الثلاثة وأما إذا كانت الافراد أربعة أو خمسة فيمكن أن يعتبر الصلوح بالنسبة إلى كل ثلاثة فإن تناوله لتلك الآحاد يوجب تناوله للجماعات المؤتلفة منها هذا إذا قلنا بأن أقل الجمع ثلاثة وإلا فالاشكال إنما يتجه في الاثنين والتوجيه إنما يحتاج إليه في الثلاثة وقد يتفصى عن إشكال الجمع بوجهين الأول أن اللام يبطل معنى الجمعية فيصدق أن الجمع يستغرق جميع جزئيات مفهومه بعد اللام وفيه تعسف لان لفظ الجمع لا يصلح للمفرد لا قبل دخول اللام ولا بعده ولفظ الحد إنما يقتضي ذلك نعم لو تأول بمعنى ما يصلح هو أو ما قام مقامه استقام عكسه بهذا التكلف لكن يبقى الكلام حينئذ في طرده الثاني أن المراد جميع جزئيات مدلول اللفظ أو ما اشتمل عليه اللفظ حقيقة كالرجال أو حكما كالنساء فإنها بمنزلة الجمع للفظ مرادف للمرأة لا يقال هذا منقوض بمثل عشرة حيث إنه متناول لجميع الآحاد التي هي من جزئيات مفهوم الواحد الذي يتضمنه العشرة لأنا نقول ليس العشرة بمنزلة الجمع للفظ مرادف للفظ الواحد بدليل عدم صحة إطلاقه على ما يزيد عليه أو ينقص عنه والأظهر أن يقال يستغرق
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»