الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٤٦
ما يقتضيه طريقتهم مع أن ما ثبت له الحكم وهو العالم مذكور لا يقال لعل المراد أن يكون ما ثبت له الحكم مذكورا لاثبات الحكم له و العالم في المثال المذكور غير مذكور لاثبات الحكم له بل لما أضيف إليه فلا يلزم خروجه عن حد المفهوم ولا دخوله في حد المنطوق لأنا نقول لا سبيل إلى ذلك لعدم مساعدة ظاهر اللفظ عليه مع أنه يوجب ورود النقض على الحدين بمثل دلالة الآيتين على أقل الحمل طردا وعكسا لان الحمل غير مذكور فيه لبيان أقله بل الوجه في الجواب أن ما ثبت له الحكم أعني الوجوب إنما هو إكرام العالم كما أن ما ثبت له الحكم في قولك إن جاءك زيد عدم مجئ زيد لا زيد ولا ريب أن إكرام العالم غير مذكور وإنما المذكور إكرام الخادم فلا إشكال ومنها أنها منقوضة بدلالة الآيتين على أقل الحمل لان الموضوع فيه مدلول الأقل دون الحمل وهو غير مذكور ولو تكلف بجعل المفهوم مدلول قولنا الحمل أقله كذا منعنا اعتباره في المقام وإلا لخرج مفهوم آية التأفيف عن حده إذا جعل الأبوان موضوعا وقيل الأبوان يحرم شتمهما وضجر بهما وما التزم به بعضهم من أن مدلول الآية إن أخذ بهذا الاعتبار كان منطوقا كما أنه إن أخذ بالاعتبار الاخر كان مفهوما فتعسف ركيك لظهور أن عرفهم لا يساعد عليه و كذلك الحال في مفهوم الشرط فإنه يصح أن يقال في المثال المتقدم منه زيد إن لم يجئك فلا يجب إكرامه فيكون موضوع الحكم مذكورا إلى غير ذلك بل التحقيق أن العبرة في ذلك بالمعنى المنسبق إلى الفهم من الكلام وإليه ينظر ظاهر الحد وبه يضمحل الوهم المذكور ومنها أن الحدين الأولين بل الأخيرين أيضا على توجيه البعض منقوضان بمفهوم الحصر المستفاد من إنما إذا أريد بها قصر الموصوف على الصفة فإن موضوع حكم المفهوم وهو الموصوف مذكور وكذا إذا أريد بها قصر الصفة على الموصوف في مثل قولك إنما غير زيد أكرمت ومنها أن الحدين الأخيرين على ما عرفت لا يصلحان إلا بالتوجيه الذي ذكرناه وعلى تقديره ينتقضان بأمور منها أنهما ينتقضان بالمنطوق المدلول عليه بدلالة الإشارة لان اللفظ لا يدل عليه أيضا ابتدأ ومنها أنهما منقوضان بمفهوم الحصر المستفاد من إنما ونحوها فإنها تدل بالوضع في الاثبات على إثبات الحكم المذكور للمذكور ورفعه عن غيره أو رفع ما عداه عنه وفي النفي بالعكس فتكون الدلالتان ابتدائية وفي محل النطق ويمكن الجواب عنه بأن إنما ليست موضوعة لإفادة نفي الحكم عن غير المذكور أو إثباته له مثلا كيف وهو معنى اسمي حملي وهي حرف لا تستقل بالمفهومية بل موضوعة لمعنى نسبي وهو قصر ما بعدها على ما يليه مأخوذا باعتبار كونه آلة لتعرف حالهما فتدل على نفي الحكم عن غير المذكور أو إثباته له مثلا بالالتزام فتكون الدلالة عليه لا في محل النطق ومنها أن حد المفهوم منقوض بدلالة الامر بالشئ على الامر بمقدمته وبدلالته على فساد الضد على القول به ونحو ذلك مع أن شيئا منها لا يسمى مفهوما اصطلاحا و يمكن دفعه بأن المعتبر في المفهوم والمنطوق أن يكونا مدلول اللفظ أو دلالته بقرينة أن المقسم عندهم أحدهما ولا نسلم أن اقتضاء الامر لما ذكر يعد من دلالة اللفظ بل من دلالة العقل وهذا في الثاني واضح وفي الأول يتوقف على كون دلالة اللفظ على اللازم البين بالمعنى الأعم غير لفظية ومنها أن حد المفهوم لا ينطبق على شئ من مصاديقه لأنها مركبة مما دل عليه اللفظ في محل النطق ومما دل عليه لا في محله والمركب من الشيئين ليس بأحدهما ويمكن الجواب عنه بأن المراد بما دل عليه اللفظ في حده ما دل عليه في الجملة ولو على بعضه فيكفي خروج بعض المدلول عن محل النطق ولا يخفى بعده أو أن المراد ما دل عليه باعتبار التركيب واللفظ لا يدل على شئ من أبعاضه بهذا الاعتبار في محل النطق ومنها أن حد المفهوم يصدق على لوازم المفردات أو دلالتها عليها كالأسد بالنسبة إلى الشجاعة أو دلالته عليها مع أنها لا تسمى مفهوما في الاصطلاح و يمكن الجواب عنه بأن المراد بالموصولة في حده المدلول المركب أو يجعل الضمير راجعا إليه فقد اتضح مما ذكرنا أن الحدود المذكورة كلها مدخولة بل لا يكاد يأتي لهما بحد سالم فالوجه في المقام أن يجعل الحدود المذكورة حدود اللفظية تقريبية ويرجع في معرفتهما إلى عرف القوم هذا ولو عرف المفهوم بأنه مدلول خبري أو إنشائي غير مذكور لازم لمدلول خبري أو إنشائي مذكور مع اختلافهما في الحكم نفيا وإثباتا أو اتفاقهما فيه مع ظهور الأولوية والمنطوق بما عداه لكان قريبا وقد يعزى إلى البعض أنه جعل ما عدا المنطوق الصريح من المفهوم وهو على إطلاقه غير جيد فصل قسموا المنطوق إلى صريح وغير صريح فالصريح ما دل عليه اللفظ بالدلالة الوضعية المطابقية وألحقوا به المدلول التضمني وليس على ما ينبغي وغير الصريح ينقسم إلى ما دل عليه اللفظ بدلالة اقتضاء أو إيماء أو إشارة لان ما يدل عليه اللفظ إما أن يكون مقصودا للمتكلم في الخطاب أو لا والثاني هو المدلول عليه بدلالة الإشارة كدلالة الآيتين على أقل الحمل فإن إحداهما مسوقة لبيان حق الوالدة والأخرى لبيان أكثر مدة الفصال و يلزم منهما تعيين أقل الحمل وإن كان الأول فهو على قسمين الأول أن يتوقف صدق الكلام أو صحته عليه وهذا هو المدلول عليه بدلالة الاقتضاء فالصدق نحو رفع عن أمتي الخطأ والنسيان فإن صدق الكلام يتوقف على تقدير المؤاخذة ونحوها والصحة قد تكون عقلية كما في قوله تعالى واسأل القرية فإنه لو لم يقدر الأهل لم يصح الكلام عقلا وهذا مبني على تقدير عدم التجوز في لفظ القرية وقد تكون شرعية كقولك أعتق عبدك عني على ألف فإن اختصاص العتق بالملك يوجب تقدير الملك أي مملكا على ألف الثاني أن يقترن بالحكم ما لو لم يكن علة له لاستبعد اقترانه به فيحمل على التعليل و إن لم يصرح به وهذا هو المدلول عليه بدلالة الايماء كما لو قال القائل واقعت أهلي في نهار شهر رمضان فقال عليه السلام له كفر فإن اقتران قوله كفر بقول السائل يقتضي أن يكون المراد كون الوقاع المسؤول عنه علة لوجوب الكفارة ولا يذهب عليك أنه ينبغي تنزيل ما ذكروه في هذا النوع على التمثيل لا التخصيص لعدم اختصاصه به فالضابط فيه أن يقال
(١٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 ... » »»