على ما اعترف به إنما هو فهم الفقهاء منه الفساد وقد عرفت أن ذلك لا يساعد على مطلوبه ومنه يظهر ضعف ما نقل في المقام من الاجماع الثالث ظاهر جملة من الاخبار منها ما رواه زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده فقال ذلك إلى سيده إن شاء أجازه وإن شاء فرق بينهما فقلت أصلحك الله إن الحكم بن عتيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهم يقولون أصل النكاح فاسد فلا يحل إجازة السيد له فقال أبو جعفر عليه السلام إنه لم يعص الله إنما عصى سيده فإذا أجازه فهو جائز و في روايته الأخرى بعد أن ذكر حكمه بصحة نكاح العبد مع لحوق الإجازة قال فقلت لأبي جعفر عليه السلام فإنه في أصل النكاح كان عاصيا فقال أبو جعفر عليه السلام إنما أتى شيئا حلالا وليس بعاص لله وإنما عصى سيده ولم يعص الله إن ذلك ليس كإتيانه ما حرم الله تعالى عليه من نكاح في عدة وشبهه ووجه الدلالة أن الروايتين دلتا على أن نكاح العبد الغير المأذون إنما لم يفسد مع لحوق الإجازة لأنه لم يعص الله فيه وإنما عصى سيده فيدل على أن عصيان الله في النكاح الذي من أقسام المعاملة يوجب الفساد فإن قيل كيف أثبت على العبد عصيان السيد عند عدم الإذن مع أن عدم الإذن أعم من المنع وهو الموجب للعصيان وأيضا عصيان السيد يستلزم عصيانه تعالى حيث أوجب على العبد طاعته فكيف أثبت أحدهما و نفي الاخر قلنا أما الأول فمدفوع بأنه يمكن تقييد العصيان بصورة المنع من النكاح فالمعنى إنما عصى سيده على تقدير منعه منه و يمكن تركه على إطلاقه بتنزيل العادة منزلة المنع من حيث إن سيرة الموالي جارية على عدم الرضا بإقدام العبد على مثل هذا الامر بدون الاذن وأما الثاني فقد أجيب عنه تارة بتنزيل عصيانه تعالى على معنى أنه لم يعص الله واقعا حيث لم يعص السيد واقعا مع لحوق إجازته وتنزيل عصيان السيد على عصيانه في الظاهر قبل وقوع الإجازة وأخرى بأن المراد بالمعصية المنفية المعصية الخاصة وهي المعصية الموجبة للفساد فلا ينافي الظاهر قبل وقوع الإجازة و أخرى بأن المراد بالمعصية المنفية المعصية الخاصة وهي المعصية الموجبة للفساد فلا ينافي استلزام معصية السيد لمعصيته تعالى و اختار الفاضل المذكور هذا الوجه واستشهد عليه بقوله عليه السلام في الرواية الثانية أن ذلك ليس كإتيانه ما حرم الله تعالى عليه من نكاح في عدة وشبهه ومنها معتبر منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام في مملوك تزوج بغير إذن سيده أ عاص لله وقال عاص لمولاه قلت حرام هو قال ما أزعم أنه حرام قل له أن لا يفعل إلا بإذن مولاه ومنها ما ورد في من طلق ثلاثا في مجلس أنه ليس بشئ من خالف كتاب الله رد إلى كتاب الله و بمضمونه أخبار معتبرة في بعضها من خالف كتاب الله والسنة رد إلى كتاب الله والسنة وفي بعضها كل شئ خالف كتاب الله فهو رد إلى كتاب الله ووجه الدلالة أنها تضمنت قاعدة كلية وهي وجوب رد كل شئ خالف الكتاب أو السنة إليه أي رده باطلا إلى ما يقتضيه الكتاب والسنة من البطلان والمعاملة المحرمة مخالفة لأحدهما فيجب ردها باطلا إليه ولولا أن النهي موجب للفساد لما كان الرد موجبا له والجواب أما عن الروايتين الأوليين فبأن الظاهر من العصيان فيهما بقرينة المقام الاتيان بما لم يمض أو لم يرض بصحته فالمعنى أن العبد لم يأت بنكاح لم يمضه الله أو لم يرض بصحته على تقدير الإجازة وإنما أتى بنكاح لم يمضه السيد أو لم يرض بصحته على تقدير عدم الإجازة ووجه إطلاق العصيان على ذلك وقوع التعبير عنه غالبا بالنهي ومما يدل على ما قررناه حكمه بعصيان العبد لسيده المحمول على صورة المنع مع أن الظاهر اختصاص المنع بالنكاح الصحيح دون الفاسد وهو غير حاصل حال المنع ويؤكده قوله عليه السلام فإذا أجازه فهو له جائز فإن المراد إذا رضي بصحته فهو له صحيح على أن الرواية الثانية ضعيفة والأولى صالحة للتنزيل على إلزام المخالفين فإن الحكم بن عتيبة على ما صرح به في الرجال عامي والظاهر أن إبراهيم النخعي مثله وفي الرواية أيضا إشعار بذلك وكيف كان فلا دلالة للروايتين على أن النهي عن المعاملة يوجب الفساد ومع التنزل فحملهما على التفصيل الذي ذكره ليس بأولى من حملهما على تفصيلنا المختار وعلى التقديرين لا إشعار فيهما بالنقل وأما عن الرواية الثالثة فبأنها مما لا إشعار لها بالمقصود و لعل ذكرها في الأدلة وقع سهوا من القلم وأما عن الروايات الأخيرة فبأن الظاهر من المخالفة فيها المخالفة في الحكم الوضعي وإن كان مستفادا من ظاهر الأمر والنهي عرفا كما قررنا بقرينة ما ذكر فيها من الأسباب كالطلاق بدون الاشهاد وتطليق المطلقة ولو سلم أن المراد بها مطلق المخالفة فليس في رد ما خالف الحكم التكليفي إليهما ما يوجب الفساد إذ لم يثبت بعد دلالتها عليه فتكون ثمرة الرد عند المخالفة في الحكم التكليفي إجراء حكم المعصية عليه من الفسق والتعزير والالزام بالتوبة ودعوى أن المعنى رده باطلا إليها على الاطلاق في محل المنع مع أن المستدل لا يقول به وحمله على التفصيل الذي ذكره بعيد إذ لا شاهد عليه واحتج من قال بدلالته على الصحة بأن المنهي عنه لو لم يكن صحيحا لم يكن شرعيا و التالي باطل لأنا نعلم أن المنهي عنه في صوم يوم النحر والصلاة في الأوقات المكروهة هو الصوم والصلاة الشرعيان لا الامساك و الدعاء وأيضا لو لم يصح لكان ممتنعا فلا يكون في النهي عنه فائدة و الجواب أما أولا فبالنقض بمثل قوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم وقوله صلى الله عليه وآله دعي الصلاة أيام أقرائك فإن المنهي عنه فيهما لا يقع صحيحا إجماعا وأما ثانيا فبالحل بارتكاب التأويل أما في النهي بتجريده عن معنى الطلب وحمله على نفي الحقيقة فيكون معنى لا تنكحوا لا نكاح ومعنى دعي الصلاة لا صلاة لك في تلك الأيام وهكذا وأما في المنهي عنه بحمل النكاح والصلاة على إيقاع صورتهما بقصد المشروعية لأنه أقرب إلى الحقيقة من الحمل على مطلق الصورة وذلك لان الظاهر يترك عند مخالفته للعقل أو معارضته بما هو أقوى منه في الظهور ثم لا يخفى أن التمثيل بالنهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة تمثيل بما هو خارج عن محل البحث وقد تقدم الكلام فيها بما لا مزيد عليه ويمكن أن يجاب عن الوجه الثاني أيضا بأن المنهي عنه يجوز أن يكون ممتنعا بهذا المنع والمحال منع الممتنع بغيره وقد سبق الكلام فيه تنبيهات الأول قد عرفت مما حققنا عدم الفرق بين المنهي عنه لنفسه أو لجزئه أو لقيده المحمول كالوصف أو غيره ومنهم من ذهب إلى أن المنهي عنه لوصفه يرجع حكم النهي فيه إلى الوصف دون الموصوف فحكم في الربا المنهي عنه لوصف الزيادة أنه لو طرح الزيادة عادة
(١٤٤)