الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٤٣
على قولهم من أصحابنا غير الاجماع فممنوع لجواز أن يستند إلى إجماع آخر وإن أراد أن دليل المجمعين في الصدر الأول غير الاجماع فمسلم لكن ليس لا كذم مصنف مبسوط معروف ليستعلم أن مستندهم على الفساد هل هو مجرد النهي أو غيره على أن مستندهم لو كان نفس النهي فلا ريب في أنه ظاهر في الفساد مع أنا نرى الأصحاب قاطعين به في أكثر موارده فكيف يستند القطع بالحكم إلى دليل ظني بل الظاهر أنهم تمسكوا في ذلك بظاهر النهي المعتضد في أكثر موارده بأدلة خاصة من نص قاطع أو إجماع أو ضرورة و ظهور النهي في ذلك ليس من جهة كونه منقولا في عرف الشرع إليه لما عرف من أن هذه الدلالة ثابتة في نهي الطبيب وغيره من أرباب الصنائع ولا قائل بالنقل في عرفهم أيضا وبالجملة فالنهي الوارد في أمثال هذه الموارد إن تعلق بالماهية المطلقة دل على فسادها وإن تعلق بها مقيدة بقيد دل على فساد القيد فيستفاد منه مانعية القيد من صحتها حيث يتحقق ثبوت الصحة للطبيعة كما أن المستفاد من الامر بالطبيعة وشبهه نحو وكاتبوهم والصلح خير صحتها ومن الامر بها مقيدا أو بالقيد عند فعلها اشتراط الصحة به مع أن أحدا لا يلتزم بنقل الامر في تلك الموارد إلى ما يتضمن أو يستلزم الصحة أو الشرطية بل الظاهر أن المستفاد من الأمر والنهي عرفا في مثل ذلك ليس هو إلا الارشاد إلى فعل ما هو الصحيح أو ترك ما هو الفاسد نظير أوامر الطبيب ونواهيه في صنع الأدوية والمعاجين وإن تعلقا بمن له أهلية الايجاب والتحريم في حقه كالمملوك وقد يعترض على الدليل المذكور بأن كلام الفقهاء في النهي عن المعاملات مضطرب لأنهم قد يستدلون بالنهي على الفساد وقد يصرحون بأن النهي عن المعاملة لا يقتضي فسادها وأجاب عنه المفصل المذكور بأن المصرح بالنفي إن كان ممن يذهب في المسألة إلى نفي الاقتضاء له مطلقا فتصريحه به في بعض جزئياتها غير قادح كما لا يقدح تصريحه بالنفي في أصل المسألة وإن كان غيره كان ذلك قرينة واضحة على مصيره إلى التفصيل في ذلك وأنه يقتضي الفساد عنده في بعض الموارد دون بعض والذي يظهر بالتتبع في موارد الاثبات أنه يثبت الاقتضاء حيث يتعلق النهي بعين المعاملة أو بصفة لازمة لها وينفيه في غير ذلك وقد يجمع بين كلماتهم بأنهم يستدلون بالنهي على الفساد حيث يكون دليل الصحة مقصورا على مورد الحل كما في البيع لقوله تعالى وأحل الله البيع و أما حيث لا يكون مقصورا عليه فنمنع من دلالته فيه على الفساد كذبح الغاصب لعموم ما دل على حلية المذكى كقوله تعالى وكلوا مما ذكر اسم الله عليه وكوطي الحائض لدخوله تحت عموم ما دل على لزوم تمام المهر بالوطي كقوله تعالى إن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فنصف ما فرضتم وضعفه ظاهر لان دليل صحة البيع لا ينحصر في دليل حليته بل يتناوله عموم الامر بالوفاء بالعقود كذلك غيره من سائر العقود ولا يذهب عليك أن التنزيل الأول ضعيف لأنا نراهم يحكمون بفساد معاملات كثيرة تعلق النهي بها باعتبار قيود غير لازمة كبيع المجهول أو البيع بالمجهول وبيع غير المقبوض وبيع الصرف بدون القبض وبيع الآبق بدون الضميمة وبيع الثمرة قبل بدو الصلاح على التفصيل المقرر في محله إلى غير ذلك فلو تعسف بأن تلك القيود لازمة لتلك المقيدات إذا أخذت من حيث كونها مقيدات لتوجه عليه بأن الحال في الوصف الغير اللازم أيضا كذلك فإن البيع وقت النداء إذا أخذ من حيث كونه مقيدا بوقت النداء كان القيد لازما له ومن هنا يظهر أن التفصيل المذكور مما لا محصل له لأنه إن اعتبر لزوم الوصف بالنسبة إلى ماهية المعاملة فظاهر أنه غير متحقق في الأمثلة التي قررها من بيع المنابذة والملامسة ونكاح الشغار ولا في غيرها وإن اعتبر لزومه بالنسبة إلى الصنف أو الشخص منها لزم أن يكون جميع الأوصاف كذلك للزومها الصنف المتصف بها بل الأقرب تنزيل كلماتهم على ما اخترناه من التفصيل و توضيحه أن النهي المتعلق بالشئ يستدعي حكمة داعية إليه و حكمة الفساد هي الحكمة الظاهرة من النواهي المتعلقة بالمعاملات عند خلوها عن قرينة تدل على أن فيها حكمة غير الفساد كنواهي الطبيب و إليه يرجع ما اخترناه من التفصيل وحيث يستظهر من قرينة مقالة أو شهادة حال أن حكمة النهي أمر آخر غير الفساد فلا يستظهر الفساد عرفا كالنهي عن البيع وقت النداء وعن بيع الأمة قبل الاستبراء فإن الظاهر منه في الأول بقرينة القيد أن الحكمة الداعية إليه التهيؤ لصلاة الجمعة وعدم التشاغل عنها بالبيع وفي الثاني الاحتياط لئلا تباع أمهات الأولاد وحينئذ فلا يظهر منه الفساد إذ يكفي في حسن النهي ترتب الحكمة المذكورة عليه فينتفي ظهور النهي في الفساد فيبقى عموم ما دل على صحة البيع سليما عن المعارض وإن شئت توضيح ذلك فلاحظ قول السيد الطبيب لعبده لا تصنع هذا المعجون في وقت كذا فإن لي إليك في ذلك الوقت حاجة فإنه لا يفهم منه عرفا أنه لو صنعه في ذلك الوقت لم يترتب عليه آثاره بخلاف ما لو قال لا تصنعه في وقت كذا من غير إشعار بالعلة فإنه يفهم منه عرفا أن صنعه في ذلك الوقت يخل بترتب أثره عليه وإنما اعتبرنا سيادة الطبيب على المخاطب لئلا يفرق بين نواهيه ونواهي الشارع بأن الطبيب ليس له أهلية التكليف والتحريم فيتعين نواهيه للارشاد والدلالة على الفساد بخلاف الشارع الثاني أن هذه المسألة من قبيل المسائل اللغوية يكفي فيها نقل الواحد فضلا عن المتعدد إذ لا فرق في الطريق بين الأوضاع الحادثة والقديمة فيكتفي بنقل القائلين بكون النهي منقولا في عرف الشارع إلى ما يتضمن الفساد أو يستلزمه وإن لم يبلغ حد الاجماع ولا يعارضه نقل النافي لتقدم المثبت مضافا إلى ما حكاه السيد في المقام من الاجماع وقد مر والجواب أن التعويل على النقل مقصور على المباحث اللغوية التي لا سبيل لنا إلى استعلام الحال فيها بالبحث والفحص لانقطاع مداركها عنا وتحققها عند النقلة لان ما دل على جواز التعويل على النقل وهو الاجماع لا يساعد على جوازه في غير ذلك بل الظاهر أن الاجماع منعقد في غيره على عدم جواز التعويل فيه على النقل ولولا ذلك لا اكتفي علماء الأصول في مباحث الألفاظ بقول غيرهم فيها فلم يتكثر بينهم الأقوال ولم يحتاجوا إلى تجشم الاستدلال ولا خفاء في أن المقام من القسم الأخير فإن مدرك الناقل
(١٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 ... » »»