الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٤٨
من التعليق شرطية المقدم كذلك الظاهر من إطلاق الشرطية كون المذكور شرطا على التعيين لا على البدلية كما يرشد إليه قولك حصول المجئ شرط لوجوب الاكرام وسيأتي لهذا مزيد بيان فإذا كان المفهوم من إطلاقه كون المذكور شرطا على التعيين فلا جرم يلزم من انتفائه انتفاء الجزاء لاستحالة وجود المشروط بدون الشرط فظهر أن دلالة التعليق بالشرط على انتفاء التالي على تقدير انتفاء المقدم في الجملة مستندة إلى الوضع لان ذلك قضية التعليق و على انتفائه عند انتفائه مطلقا مستندة إلى ظهور التعليق في شرطية المقدم وظهور الشرطية في الشرطية التعيينية فقول القائل إن جاءك زيد فأكرمه وإن أكرمك فأكرمه مخالف للظهور دون الوضع و أما نحو أكرم زيدا إن جاءك وإن لم يجئك فالظاهر أنه مخالف للوضع إذ لا تعليق فيه حقيقة فإن قلت تنزيل الخطابات العرفية على هذه التدقيقات الخفية غير سديد لقصور أكثر الافهام عن الوصول إليها فكيف يبتني محاورات أهل العرف عليها قلت الانتقال إلى أمثال هذه الدقائق بطريق الاجمال مما يشترك فيه العالم وغيره وإنما يمتاز العالم بالوصول إلى تفاصيل تلك الدقائق والتمكن من بيانها أ لا ترى أن كثيرا من وجوه البلاغة المودعة في علم البيان مطالب دقيقة خفية ومع ذلك فهي مأخوذة من اعتبار أهل العرف لها في محاوراتهم ومن مراعاتهم لها في مجازي استعمالاتهم فهم يتنبهون لتلك النكات لكن بطريق الاجمال ولهذا لو كلفوا ببيانها لعجزوا عنه وكذلك الحال في جملة من مباحث العلم فإنا نراهم يحكمون بعدم قضاء الامر بالشئ ببطلان ضده وبعدم جواز اجتماع الامر و النهي في شئ واحد إلى غير ذلك مع أن تفاصيل الكلام فيهما مما قد عجز أساطين العلماء عن الوصول إليها ومن هذا يظهر أن من يجعل تفاصيل فكره تابعة لمجملات وجدانه أقرب إلى الصواب ممن يتزاول التفاصيل ولا يلتفت إلى المجملات أو يجعلها تابعة للتفاصيل ثم لا فرق فيما ذكر بين التعليق بإن والتعليق بغيرها كلو وإذا إلا أن التعليق بلو يختص في الماضي بالشرط والجزاء الممتنع حصولهما كما أن التعليق بإن يختص بالشرط والجزاء المشكوك حصولهما والتعليق بإذا يختص بالشرط والجزاء المعلوم حصولهما و أما ما اشتهر بينهم من أن إن للشرط المشكوك حصوله وإذا للشرط المعلوم حصوله فلعله ليس على ما ينبغي لأنه وإن استلزم ما ذكرناه في إذا لكنه لا يستلزمه في إن وإفادة هذه الأدوات لتلك الصفات في مدخولها ليست باعتبار كونها مستعملة فيها بل باعتبار اختصاصها بها من قبيل إفادة لفظ الامر علو رتبة الامر والدعاء انحطاط رتبة الداعي وقد مر التنبيه عليه وهل هذه الدلالة ناشئة في المقام من الوضع أو من غلبة الاستعمال وجهان أظهرهما الأول لا سيما في غير إن وخصوصا في لو وهو قضية إطلاق كلماتهم فلو يدل على ما دل عليه التعليق بباقي الأدوات من كون الثاني لازم الحصول على تقدير حصول الأول بدلالة استعمالية مع الدلالة على أن الواقع انتفاؤهما بدلالة اختصاصية ولا اختصاص لها وضعا بكون الأول سببا للثاني ولا مسببا عنه وإن كان عند الاطلاق ينصرف إلى السببية كما عرفت في قولك لو جئتني لأكرمتك فإن الظاهر منه أن المجئ كان على تقدير حصوله سببا للاكرام لكنه لم يحصل المجئ فيحصل الاكرام أي فيترتب عليه حصول الاكرام وكثيرا ما يصرح بهذا الاستدراك تأكيدا لهذا الظهور كما يقال لو جاءني زيد لأكرمته لكنه لم يجئني أي لم يجئني فأكرمه ومثله قوله ولو دامت الدولات كانوا كغيرهم رعايا ولكن ما لهن دوام أي ما لهن دوام فيكونوا رعايا كغيرهم وأما قوله ولو طار ذو حافر قبلها لطارت ولكنه لم يطر فالظاهر أنه ليس مما يكون الثاني فيه مسببا عن الأول كما زعمه التفتازاني لان طيران ذي حافر لا يصلح سببا لطيران فرسه بل من باب الاستلزام حيث ادعى أن فرسه قد استجمعت لكل صفة كمالية تكون لذي حافر فأخذ هذه الدعوى مسلمة وفرع عليها الشرطية المذكورة نظرا إلى أن الطيران على تقدير حصوله من تلك الصفات فالمعنى لم يطر ذو حافر قبلها فتطير على حد قولك لو بلغنا موضع كذا لبلغنا الكوفة لكن لم نبلغه أي لم نبلغه فنبلغها فليس المقصود من نفي المقدم في هذه الموارد إنتاج نفي التالي على ما سبق إلى بعض الأوهام فاستشكل بأن استثناء نقيض المقدم في القياس الشرطي لا يوجب نفي التالي على ما تقرر في محله بل المراد ما عرفت من الدلالة على أن الشرط لم يحصل فيحصل الجزاء أي لم يحصل ليترتب عليه حصول الجزاء و مرجعه إلى نفى الشرط المتعقب لحصول الجزاء المنفي لا الاستدلال بانتفاء الشرط على انتفاء الجزاء أو الدلالة على أن نفي الجزاء متفرع على نفي الشرط خاصة وحيثما وقع استدراك نفي المقدم و تفريع عدم الجزاء عليه فلا بد فيه من تأويل كدعوى انحصار السبب في الشرط نعم إذا تركبت لو مع لا أفادت سببية وجود شرطها لانتفاء الجزاء بحيث لا يحتمل غيرها كما في قوله لولا علي لهلك عمر فإنه إنما يدل على أن وجود علي سبب لعدم هلاك عمر ومن هنا يتقوى قول البصرية حيث قالوا لولا كلمة برأسها وليست لو الداخلة على لا كما ذهب إليه الكسائي فجعل الاسم الواقع بعدها فاعلا لفعل محذوف هذا ما يساعد عليه التحقيق والمشهور بين الجمهور أن لو لامتناع الثاني لامتناع الأول واعترض عليهم الحاجبي بأن الأول سبب والثاني مسبب وانتفاء السبب لا يدل على انتفاء المسبب لجواز تعدد الأسباب بخلاف العكس فعكس الامر وجعلها لامتناع الأول لامتناع الثاني لان عدم المسبب يقتضي عدم جميع أسبابه واستشهد عليه بقوله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا حيث سيق ليستدل بامتناع الفساد على امتناع تعدد الالهة دون العكس وافقه على ذلك جماعة ممن تأخر عنه إلا أن منهم من التزم بدعواه وأفسد دليله نظرا منه إلى أن الشرط المبحوث عنه هنا لا يختص بالسبب بل قد يكون مسببا عن الثاني أو مشاركا له في العلة وأورد عليهم التفتازاني بأن الجمهور لم يقصدوا أنها للاستدلال بامتناع الأول على امتناع الثاني ليرد عليه ما ذكر بل أرادوا أنها للدلالة على أن انتفاء الثاني إنما هو بسبب انتفاء الأول من غير التفات إلى أن علة العلم بانتفاء الجزاء ما هي هذا محصل كلامه ونحن نقول ليس غرض الحاجبي أن الجمهور يجعلون لو ليستدل بامتناع شرطها على امتناع جوابها وأن الامر على العكس كما زعمه التفتازاني بل غرضه أنهم يجعلونها
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 ... » »»