الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٤٩
لامتناع الجزاء لامتناع الشرط وليس كذلك لما مر الامر بالعكس و ليس في توجيه التفتازاني ما يوجب دفع ذلك إلا ما زاده من اعتبار الحصر وهو مردود أما أولا فبعدم مساعدة ظاهر كلامهم عليه وأما ثانيا فبأن الاشكال المورد على كلام القوم وارد على اعتبار هذا الحصر إذ لا نسلم أن الجزاء إنما امتنع لامتناع الشرط كيف وعدم المسبب يستند إلى عدم جميع أسبابه دون عدم سبب مخصوص نعم يتجه ذلك إذا كان السبب منحصرا في الشرط ومنه قوله تعالى ولو شاء لهديكم أجمعين لكن كثيرا ما يرد على خلافه بل المفهوم منها أن لعدم الأول مدخلية في عدم الثاني سواء استقل كما إذا انحصر فيه أو لا كما إذا انضم إليه عدم سائر الأسباب أ لا ترى أن قولك لو كان زيد كريما لأكرمته لا يقتضي حصر سبب الاكرام في كونه كريما و لهذا يصح أن تردفه بقولك ولو كان عالما لأكرمته ولو أكرمني لأكرمته ونحو ذلك من غير تجوز وبهذا يظهر ضعف الاعتراض المذكور أيضا لان مبناه على أن يكون المراد أن لو يقتضي سببية عدم الأول لعدم الثاني سببية تامة وكلامهم غير صريح في إرادة ذلك مع أنك قد عرفت أنها لا تفيد السببية وضعا ويفيد السببية التعينية إطلاقا ويمكن تنزيل كلام الجمهور عليه هذا كله بعد المساعدة على طريقة القوم وإلا فالتحقيق ما أشرنا إليه من أن لولا يدل إلا على أن الجزاء الممتنع كان لازم الحصول على تقدير حصول الشرط الممتنع من غير اختصاص له بكون الأول سببا للثاني أو بالعكس فإن المفهوم من قول القائل لو جاءني زيد لأكرمته أن الاكرام الممتنع كان لازم الحصول على تقدير حصول المجئ الممتنع و ظهورها في سببية الأول للثاني في مثل ذلك سببية تعيينية إنما هو بواسطة الاطلاق وخصوصية المورد هذا وأما ما اختاره الحاجبي من أنها لامتناع الأول لامتناع الثاني فهو بظاهره واضح الفساد للقطع بأن قولك لو جاءني زيد لأكرمته ليس لإفادة أن المجئ امتنع لامتناع الاكرام أو الاستدلال على امتناع المجئ بامتناع الاكرام كيف و المجئ سبب الاكرام فعدمه مقدم على عدمه فيمتنع أن يستند إليه والاستدلال به إنما يصح حيث يعلم عدم الاكرام أو يبرهن عليه و كثيرا ما يأتي بالكلام المذكور مجردا عن البيان حيث لا علم بطرفي التعليق أو بالجواب ولو اكتفي في بيانه بوقوعه في الجملة الشرطية فعدم الشرط واقع فيها أيضا فلا حاجة إلى الاستدلال عليه بما يساويه في المعلومية وقد يوجه كلامه بأن قوله هي لامتناع الأول لامتناع الثاني معناه ليدل انتفاء الجزاء على انتفاء الشرط وهو مع كونه خروجا عن ظاهر كلامه غير مصحح له لظهور عدم استقامة الدعوى على إطلاقها بل في أغلب موارد استعمالها لوضوح أن ليس المقصود بقولك لو جاءني زيد لأكرمته أن يدل انتفاء الجزاء على انتفاء الشرط وأما ما استشهد به من الآية فقد التزم التفتازاني بما أورده فيها وأجاب بأنها واردة على مصطلح أرباب المعقول في أدوات الشرط فإنها عندهم لمجرد التلازم فتدل على لزوم الجزاء للشرط من غير قصد إلى القطع بانتفائهما ولهذا صح عندهم استثناء عين المقدم لاثبات عين التالي فهي تستعمل عندهم للدلالة على أن العلم بانتفاء الثاني علة للعلم بانتفاء الأول ضرورة انتفاء الملزوم عند انتفاء اللازم من غير التفات إلى أن علة انتفاء الجزاء في الخارج ما هي ثم قال لكن الاستعمال على قاعدة اللغة هو الشائع المستفيض وتبعه في ذلك بعض المعاصرين أقول ليس لأرباب المعقول في أدوات الشرط من حيث إفادتها للتعليق اصطلاح جديد بل استعمالاتهم لها باعتباره جارية على حسب أوضاعها الأصلية نعم كثيرا ما يأتون بإذا لغير الشرط والجزاء المعلومين وبلو لغير الشرط والجزاء الممتنعين وهذا أيضا شائع في عرف غيرهم كالفقهاء وبالجملة فهم من حيث التعليق لا يقصدون بها إلا تعليق الجزاء على الشرط كما هو مدلولها في الأصل فهم يريدون بقولهم لو كانت الشمس طالعة فالنهار موجود أن وجود النهار لازم لطلوع الشمس فيستدلون بعدم الثاني على عدم الأول و بوجود الأول على وجود الثاني وليس غرضهم أن العلم بوجود النهار يستلزم العلم بطلوع الشمس كما يتوهم لوضوح أن لا ملازمة بين العلمين إذ كثيرا ما يعلم وجود المقدم أو عدم التالي وينكر وجود التالي أو عدم المقدم لعدم العلم باللزوم ولهذا تمس الحاجة إلى إثبات الملازمة فكيف يستقيم اعتبار التعليق بين العلمين وأما كون الغرض الداعي إلى إيرادها الاستدلال بها فليس فيه ما يوجب الخروج عن معناها الأصلي لان الواضع لم يعتبر في وضعها أن لا يكون الغرض من إيرادها ذلك كما في القضايا الحملية التي تؤخذ في الأقيسة فإن المقصود من إيرادها فيها الاستدلال بها على نتائجها ولا يوجب ذلك خروجها عن معانيها الأصلية والسر فيه أن ذلك من المقاصد المتعلقة بمعانيها من غير أن يستعمل لفظها فيها فظهر أن كون الآية مسوقة لاثبات امتناع الشرط وهو تعدد الالهة لامتناع الجزاء وهو الفساد لا ينافي كون لو فيها مستعملة في معناها الأصلي من الدلالة على أن الجزاء الممتنع لازم الحصول لوجود الشرط الممتنع كيف وعليه مبنى ما أريد إفادته بالآية فاستعمالها فيها موافق لوضعها الأصلي في إفادة التعليق والامتناع واستعمالها في مثل هذا المقام شائع لغة وعرفا تقول في رد من قال لك زيد غني أنه لو كان غنيا لما صنع كذا وفي رد من قال عمرو في البلد أنه لو كان في البلد لجأ إلينا إلى غير ذلك واعلم أن لو قد تخرج عن موردها الأصلي فيؤتى بها تارة حيث لا يمتنع الشرط والجزاء وقد مر وأخرى حيث لا يمتنع الجزاء فقط وذلك حيثما يكون الشرط في الظاهر مقتضيا لنقيض الجزاء فوقوعه جزاء يفيد دوام حصوله نحو نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه فإن عدم العصيان إذا كان لازما على تقدير عدم الخوف فعلى تقدير الخوف يكون ثابتا بطريق أولى فيلزم منه دوام عدم العصيان واستمراره وليس ذلك مستفادا من استعمال لو فيه على ما يظهر من التفتازاني إذ ليس معنى لو فيه إلا التقدير وأما ما يقال من أن لو فيها جارية على أصلها وأن المنفي في الجزاء ليس عدم العصيان المطلق بل المقيد منه بعدم الخوف فكما أن عدم الخوف ممتنع كذلك عدم العصيان المقيد به ممتنع فضعيف لان الجزاء المقيد بالشرط مطلق وليس في اللفظ ما
(١٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»