الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٤١
عنها لأمر خارج ربما يرشد إلى ذلك فمن النوع الأول البيع في المكان المغصوب ومثله ذبح الحيوان المغصوب أو الذبح بالآلة المغصوبة أو في المكان المغصوب وهذا بخلاف بيع المغصوب و الفرق أن النهي متعلق بالثاني باعتبار كونه معاملة مخصوصة أعني بيعا للمغصوب بخلاف الأول فإن النهي لم يتعلق به باعتبار كونه معاملة مخصوصة مثلا بل باعتبار كونه غصبا وبعبارة أخرى منشأ النهي عند التحليل في الأول نفس المقيد وفي الثاني نفس القيد وإن اتحدا في الخارج ولم يتمايزا فيه وهذه التفرقة ثابتة عقلا مرعية عرفا وكذا لو نذر أن لا يبيع الأكفان فإن تعلق النهي به ليس لكونه بيعا بل للنذر ومثله العهد واليمين وما أشبه ذلك ومن النوع الثاني البيع وقت النداء فإن النهي إنما تعلق به للموصلة إلى الفريضة و المحافظة على أدائها ولو على سبيل الحكمة لنا على ثبوت الاقتضاء في العبادات أن صحتها بكلا المعنيين يتوقف على تعلق الامر بها وتعلقه بها على تقدير النهي عنها ممتنع ضرورة أن كلا من الأمر والنهي يستدعي موردا مغايرا لمورد الاخر على ما مر في الفصل السابق ولا ريب أن المطلق عين المقيد في الخارج لاتحادهما فيه والمغايرة الاعتبارية الثابتة بحسب العقل غير مجدية لما عرفت من أن الطلب إنما يتعلق بالطبيعة باعتبار الخارج ولا مغايرة بينهما فيه أو نقول مورد الأمر والنهي إنما هو وجود الماهية أو إيجادها لا نفسها على ما سبق بيانه وظاهر أن المطلق والمقيد يوجدان في الخارج بوجود وإيجاد وحدانيين فيلزم على تقدير الاجتماع توارد الأمر والنهي على واحد شخصي هذا مضافا إلى ما مر من قاعدة التحسين والتقبيح فإن الحسن والقبح على ما عرفت من الصفات اللاحقة للأفعال الخارجية باعتبار كونها خارجية وهما متضادان و الطبيعتان باعتبار الخارج متحدتان فلو صحت لزم تواردهما على موضوع شخصي وهو محال بل نقول إذا ثبت عدم جواز الاجتماع في المسألة السابقة مع تغاير الموردين فيها بحسب الذات والحقيقة ثبت عدم جوازه في المقام بطريق الأولوية إذ لا تغاير بين الطبيعتين هنا إلا بحسب وصفي الاطلاق والتقييد ثم أقول لو سلم أن المطلوب والمبغوض في الأمر والنهي إنما هو الطبيعة من حيث هي فغاية ما يترتب عليه جواز الاجتماع في المقام المتقدم وأما في المقام فلا و توضيح ذلك أنه لما كان تعلقهما في المبحث السابق بطبيعتين متغايرتين فربما أمكن أن يتوهم جواز الاجتماع من حيث تغاير كل من المتعلقين في حد نفسه وأما في المقام فهما إنما يتعلقان بطبيعة واحدة ذهنا وخارجا ضرورة أن المطلق والمقيد متحدان ذاتا وإنما يتغايران بحسب الاطلاق والتقييد فإن الماهية التي لا يلاحظ معها شئ من الاعتبارات هي عين تلك الماهية إذا أخذت ببعض الاعتبارات فتوارد الأمر والنهي عليها يوجب تواردهما على موضوع واحد غاية ما في الباب أن يعتبر في لحوق النهي لها لحوق القيد وهذا لا يخل بوحدة الموضوع والمتعلق ولو استظهرنا من النهي فيها الارشاد إلى الترك لفساد العمل بمعونة العرف حصل المقصود أيضا و لنا على نفي الاقتضاء في المعاملات عقلا أن صحتها عبارة عن ترتب آثارها عليها من انتقال الثمن والمثمن في البيع والمنفعة و أجرتها في الإجارة وارتفاع الزوجية في الطلاق إلى غير ذلك و ظاهر أن ترتب تلك الآثار لا ينافي مبغوضيتها المستفادة من النهي كترتب الضمان على الغصب والدية على القتل والجرح المحرمين و المهر على بعض صور الزنا وغير ذلك ومنه يظهر نفى الاقتضاء فيها وضعا أيضا ولنا على اقتضائه عرفا فيما مر أن المفهوم من إطلاق النهي هناك نفي الأثر ولو بالفحوى كما يرشد إليه التدبر في نظائره كنواهي الطبيب عند صفة الأدوية والمعاجين ونواهي كل ذي حرفة وصناعة فيما يتعلق بحرفته وصناعته فإنه يفهم من تلك النواهي نفي الأثر عند حصول الامر المنهي عنه وبالجملة فالفساد هنا إنما يستفاد من إطلاق صيغة النهي من جهة ظهورها في أن الحكمة الباعثة عليه هي الفساد وأن الخصوصية المعتبرة في المعاملة المنهي عنها من موانع صحتها وقد تقرر أن ظواهر الألفاظ حجة لا من جهة كون التحريم الذي هو مفاد النهي مستلزما للفساد ولما عرفت من عدم الاستلزام ولهذا لو ثبت التحريم بدليل غير لفظي كالاجماع والعقل لم يحكم بالفساد وإن قدر ظهوره في الفساد إذ الظواهر الغير اللفظية لا دليل على اعتبارها نعم لو استكشف بالاجماع عن ورود خطاب لفظي ظاهر فيه اتجه الحكم به ومما حققنا يتضح وجه آخر في دلالة النهي المتعلق بالعبادات الخاصة على الفساد وهو ظهور تلك النواهي في مانعية الخصوصية وكونها مفسدة للعبادة ومنه يظهر فساد ما قيل من تخصيص دلالة النهي على الفساد في مثل لا تصل في الحرير المحض بصورة العلم لان النهي لا يتوجه إلى الجاهل والغافل فكذلك لازمه وهو الفساد ووجه ضعفه أنا لا نثبت الفساد حينئذ لكونه لازما للتحريم بل لان المستفاد من إطلاق النهي كون المنشأ هو الفساد لمانعية الخصوصية فلا فرق بين قولنا لا تصل في الحرير وبين قولنا لا تصل في الحرير لان الصلاة فيه فاسدة إلا في الظهور و الصراحة فكما أن دلالة الثاني على الفساد لا يختص بصورة العلم فكذلك الأول ومن هنا تراهم يحكمون ببطلان المعاملات التي تتعلق النهي بها حيث يقال بدلالته على البطلان وإن صدر حال الجهل بالموضوع أو الحكم وكذلك الأوامر التي تقع في هذا المساق فإن المفهوم منها الصحة تارة والجزئية أو الشرطية أخرى وهذا مما لا يكاد يخفى على من له درية بالمحاورات ولنا على انتفائه عرفا أيضا فيما لو كان النهي لا باعتبار كونها معاملة أو لا لنفسها أن المفهوم من النهي حينئذ إنما هو مجرد التحريم على ما هو الأصل و هو لا يقتضي نفي الأثر لجواز ترتبه على أمر محرم كما مر حجة النافين للدلالة مطلقا لغة وشرعا أنه لو دل لكان مناقضا للتصريح بالصحة والتالي منتف إذ يصح أن يقول نهيتك عن البيع الفلاني لكنك لو فعلت أثمت وحصل به الملك والجواب المنع من الملازمة بالنسبة إلى القسم الأول من المعاملات إذ الظاهر قد يصرح بخلافه و المنع من بطلان اللازم بالنسبة إلى العبادات إذ لزوم المناقضة على تقديره عقلا ظاهر جلي وإن أنكره بعض المعاصرين متمسكا بأن الأوامر إنما تتعلق بالطبائع من حيث هي فلا منافاة عقلا بين
(١٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 ... » »»