بالآخر أعني تخصيص النهي بالامر وإن قلنا بأنه لا يستفاد في العامين من وجه قلنا لا نسلم أن الخروج مورد الامر من حيث كونه خروجا بل من حيث كونه أنه تخلص من الغصب وهو أعم منه من وجه وإن انحصر في الخروج اتفاقا فإن الظاهر أن العام الذي أفراده الموجودة في الخارج منحصرة في الفرد بحسب العادة بل في نفس الامر أيضا لا يخرج عن كونه عاما في باب التعارض ولو فرض ورود الامر بخصوص الخروج فالظاهر أنه من جهة كون الفرد الغالب و هذا الجواب بسؤاله قد أورده بعض المعاصرين ووجوه فساده غير خفية على المحصلين والجواب ما مر من أن التكليف بالمحال محال وإن كان من قبل المكلف بل هذا التكليف في نفسه محال كما يظهر وجهه مما أسلفناه في المبحث المتقدم فلا محيص من إهمال دليل النهي لكونه ظنيا مستندا إلى مجرد الظاهر احتج من قال بأنه مأمور بالخروج ولا معصية عليه بما ذكرناه من استحالة التكليف بالمحال وجوابه أن ذلك إنما يقتضي عدم المعصية بنهي مقارن لا عدمها بنهي سابق كما بيناه فإن المكلف منهي قبل الدخول عن جميع أنحاء التصرف في ملك الغير بغير إذنه نهيا مطلقا غاية الامر أن النهي يرتفع عنه على بعض الوجوه بالنسبة إلى المدة التي لا يتمكن من الترك فيها وذلك لا يوجب عدم كونه عاصيا لا يقال لو صح ذلك لزم أن يكون الخروج طاعة وعصيانا وهو محال لان الطاعة والعصيان أمران متنافيان بالضرورة فيمتنع استنادهما إلى شئ واحد أو تواردهما على محل واحد لأنا نقول إن أريد أن الطاعة والعصيان متنافيان من حيث نفسيهما فممنوع لان معناهما موافقة الطلب و مخالفته ولا منافاة بينهما مع تعدد الطلب وإن أريد أنهما متنافيان من حيث ما أضيفا إليه من الأمر والنهي فممنوع أيضا لأنهما إنما يتنافيان إذا اجتمعا في الزمان كما هو شأن التضاد وقد بينا أن زمن الامر غير زمن النهي وتوضيح المقام أن ترك الغصب مراد من المكلف بجميع أنحائه التي يتمكن من تركه إرادة فعلية مشروطا بقاؤها ببقاء تمكنه منه وحيث إنه قبل الدخول يتمكن من ترك الغصب بجميع أنحائه دخولا وخروجا فترك الجميع مراد منه قبل دخوله فإذا دخل فيه ارتفع تمكنه من تركه بجميع أنحائه مقدار ما يتوقف التخلص عليه وهو مقدار خروجه مثلا فيمتنع بقاء إرادة تركه كذلك و قضية ذلك أن لا يكون بعض أنحاء تركه حينئذ مطلوبا فيصح أن يتصف بالوجوب لخلوه عن المنافي والعقل والنقل قد تعاضدا على أن ليس ذلك إلا التصرف بالخروج فيكون للخروج بالقياس إلى ما قبل الدخول وما بعده حكمان متضادان أحدهما مطلق وهو النهي عن الخروج والاخر مشروط بالدخول وهو الامر به وهما غير مجتمعين فيه ليلزم الجمع بين الضدين بل يتصف بكل في زمان و يلحقه حكمهما من استحقاق العقاب والثواب باعتبار الحالين ولو كانت مبغوضية شئ في زمان مضادة لمطلوبيته في زمان آخر لامتنع البدأ في حقنا مع وضوح جوازه وإنما لا يترتب هنا أثر الأول لرفع البدأ له بخلاف المقام ولا يشكل بانتفاء الموصوف في الزمن السابق لوجوده في علم العالم ولو بوجهه الذي هو نفسه بوجه ولولا ذلك لامتنع تحقق الطلب إلا مع تحقق المطلوب في الخارج وهو محال ثم على المذهب المختار هل يصح منه الصلاة المندوبة وما بحكمها موميا حال الخروج وما بحكمه وجهان من ارتفاع الجرح عن تصرفه في تلك المدة ومن أنها كانت مطلوبة العدم قبل الدخول فلا تكون مطلوبة الوجود بعده وإلا لزم أن تكون فاسدة بالنسبة إلى حال وصحيحة بالنسبة إلى حال وهو محال لان الصحة والفساد وصفان متضادان يمتنع تعلقهما بمحل واحد ولو باعتبار زمانين و المعتمد هو الأول والجواب عن الثاني أن تأثير النهي في البطلان ليس كتأثيره في استحقاق العقوبة مطلقا بل مشروط ببقائه ومع انتفائه ينتفي موجب البطلان فيبقى موجب الصحة بلا معارض نعم قد يتطرق الاشكال إلى الصحة باعتبار توقفها على أمر يزيد على الخروج ولتحقيق ذلك مقام آخر ثم لا يذهب عليك أن فرض المسألة في توسط الأرض المغصوبة من باب المثال وإلا فالكلام يجري في نظائره مما لا حصر له كنزع الثوب المغصوب وإخراج الآلة من فرج الزانية ورد المال المغصوب إلى مالكه وغير ذلك فصل اختلفوا في دلالة النهي على الفساد المنهي عنه إلى أقوال ثالثها أنه يدل في العبادات دون المعاملات وهو خيرة العلامة وعزي إلى المحقق أيضا ثم اختلف القائلون بالدلالة فمنهم من أثبتها شرعا ولغة ومنهم من أثبتها شرعا بالنقل ونفاها لغة واختاره الحاجبي وهو المحكي عن السيد المرتضى وفصل بعض الأفاضل فأثبتها في العبادات لغة وفي المعاملات شرعا إن تعلق بها بعينها كبيع الميتة أو لصفة لازمة لها كبيع الملامسة والمنابذة ونكاح الشغار ونفاها في غير ذلك مطلقا وذهب شاذ إلى أنه يقتضي الصحة ولا بد أولا من تحقيق المعنى المتنازع فيه وتحرير محل النزاع فنقول العبادة قد تطلق ويراد بها الماهية المخترعة في الشرع التقرب بها وبعبارة أخرى ما يتوقف صحتها على قصد القربة سوأ كان فعلا كالطهارة والصلاة والزكاة والحج والاعتكاف أو تركا كالصوم وقد تطلق على كل ما وقع على وجه التعبد به سواء كان أمرا مخترعا له في الشرع كالمذكورات أو لا كأداء الدين والزيارة ودفن الأموات والمعاملات الراجحة إذا قصد بها القربة وهي بالمعنى الثاني أعم منها بالمعنى الأول وقد تعرف العبادة بما لم يعلم انحصار المصلحة فيها في شئ وهذا غير سديد لانتقاضه عكسا بالعبادة التي علم انحصار المصلحة فيها في الامتثال بغيرها ونحوه كالطهارة وطردا بالواجبات التي ليست عبادة ولا ينحصر مصالحها في شئ كوجوب توجيه الميت إلى القبلة والمعاملة قد تطلق ويراد بها العقود المفتقرة إلى إيجاب وقبول وهي التي لا يقع صيغها إلا من شخصين ولو بالقوة كالبيع والصلح والإجارة والنكاح و قد يطلق ويراد بها ما يتناول الايقاعات أيضا وهي التي يقع صيغها من شخص واحد كالعتق والطلاق والمناسب للمقام تفسير العبادة بالمعنى الأول ليستقيم اعتبار الصحة والفساد فيها من غير تعسف والمعاملة بالمعنى الثاني لعدم اختصاص هذه المباحث بها بالمعنى الأول ثم الصحة والفساد وصفان متقابلان يوصف بهما العبادات تارة
(١٣٩)