والمعاملات أخرى واختلفوا في تحديدهما بالاعتبار الأول فالمتكلمون على أن صحة العبادة موافقتها لأمر الشارع وينبغي أن يراد بالامر معناه الأعم ليتناول صحة المندوبة منها أيضا والفقهاء على أنها عبارة عن كونها مسقطة للقضاء وكان المراد بالاسقاط منعها من تعلق الخطاب بالقضاء بمعنى أنها لولاها لتعلق الامر بالقضاء وإلا فلا ثبوت له حال الفعل حتى يسقط ففسادها على الأول مخالفتها لأمر الشارع وعلى الثاني عدم إسقاطها للقضاء وقد اشتهر بينهم أن هذين الحدين يتفارقان في صلاة من صلى بظن الطهارة ثم انكشف له الخلاف فإنها صحيحة على الأول لحصول الموافقة و فاسدة على الثاني لعدم إسقاطها القضاء ويشكل بأن العبرة في المقامين إن كانت بالامر الظاهري كانت الصلاة في الفرض المذكور صحيحة على الحدين أما على الأول فظاهر وأما على الثاني فلاسقاطها القضاء بالنسبة إلى ذلك الامر ضرورة أنها لا تقضى على حسبه وإن كان العبرة بالامر الواقعي لم يصدق وصف الصحة عليها بشئ من الحدين وهو ظاهر وكذا إن أريد به فيهما ما يعم القسمين وغاية ما يمكن تكلفه في المقام أن يحمل الامر في الأول على الأعم من الامر الظاهري والواقعي ويعتبر الاسقاط في الثاني بالنسبة إلى الامر الواقعي فقط هذا وكان منشأ اختلافهم في ذلك اختلاف محل أنظارهم فإن الأنسب بمقاصد الكلام البحث عن الفعل من حيث حصول الامتثال به ولو في الجملة وعدمه والأنسب بمقاصد الفقه البحث عنه من حيث تعلق الخطاب بقضائه وعدمه هذا واعترض على الحد الثاني للصحة بأنه أخص من المحدود لخروج ما لا قضاء له كصحيح العيدين لان الاسقاط فرع الثبوت ولو في الجملة وإن أريد به ما يتحقق معه السقوط بمعنى عدم الثبوت وإن لم يستند إليه أصلا ففيه مع عدم مساعدة اللفظ عليه فساد حدهما طردا وعكسا بفاسدتهما وأجيب تارة بأن المراد بالقضاء ما يتناول الإعادة وأخرى بأن المراد ما أسقط القضاء على تقدير أن يكون له قضاء وكلاهما ضعيف أما الأول فلانه مع اشتماله على مخالفة ظاهر الاصطلاح غير مصحح للحد لبقاء الاشكال بصحيح العيدين عند ضيق الوقت وصحيح الصوم المندوب وصحيح النوافل المبتدئة وما بحكمها ولو عول على التأويل المتقدم اتجه الاشكال بفاسدة المذكورات وأما الثاني فلانه لو تم ففساده لعدم مساعدة اللفظ عليه لا يقصر عن فساد أصل الاشكال فالأولى تحديدها على طريقتهم بموافقة العبادة للامر الواقعي أو باشتمالها على ما يقتضي الامر اشتمالها عليه والفساد بما يقابله وأما المعاملات والمراد بها ما يتناول الايقاعات أيضا فصحتها عبارة عن ترتب الأثر المقصود من جعلها شرعا كتملك العين في البيع و المنفعة في الإجارة والبضع في النكاح ووقع البينونة في الطلاق و الحرية في العتق إلى غير ذلك ويقابلها الفساد بمعنى عدم ترتب ذلك عليها والتحقيق أن وصفي الصحة و الفساد في العبادات عقلي و في المعاملات شرعي من أحكام الوضع وهو ظاهر من البيان المتقدم ثم اعلم أن الفرق بين المقام والمقام المتقدم هو أن الامر و النهي هل يجتمعان في شئ واحد أو لا أما في المعاملات فظاهر و أما في العبادات فهو أن النزاع هناك فيما إذا تعلق الأمر والنهي بطبيعتين متغايرتين بحسب الحقيقة وإن كان بينهما عموم مطلق وهنا فيما إذا اتحدتا حقيقة وتغايرتا بمجرد الاطلاق والتقييد بأن تعلق الامر بالمطلق والنهي بالمقيد وما ذكره بعض المعاصرين في بيان الفرق من أن النزاع هناك فيما إذا كان بين الموردين عموم من وجه و هنا فيما إذا كان بينهما عموم مطلق فغير مستقيم وقد مر التنبيه عليه واعلم أيضا أن من قال باقتضاء النهي فيما مر للفساد أراد الاقتضاء من جهة النهي كما هو ظاهر عنوانهم ونص حججهم ومن قال باقتضائه الصحة أراد أنه يقتضيها من جهة المادة والمتعلق أعني الفعل المنهي عنه كما ينادي به حجته لا من جهة نفس النهي فما أورده بعض المعاصرين على هذا القول من أن النهي حقيقة في التحريم و ليس ذلك عين المصلحة ولا مستلزما لها فناش عن عدم التفطن لذلك ثم قد يتخيل أن النزاع في المقام لا يختص بصيغة النهي بل يجري فيها وفيما يجري مجراها كلفظ التحريم في قوله تعالى حرمت عليكم أمهاتكم الآية وذكر الصيغة في العنوان وارد على سبيل التمثيل و ضعفه ظاهر لان المفهوم من إسناد التحريم إلى المذكورات تحريم وطئهن أو الاستمتاع بهن وهو صريح في فساد العقد عليهن لدلالته على نفي ترتب الآثار على عقدهن فلا يكون من مسألة الباب نعم لو استند التحريم إلى العقد فقيل يحرم عقد كذا وكذا كان من مسألة الباب لكن دلالته على الفساد حينئذ غير واضح وتوجه النزاع المعروف إليه غير ظاهر إذا عرفت هذا فالحق أن النهي في العبادات يقتضي الفساد عقلا ويلزمه وضعا عرفا ولغة سواء تعلق النهي بها لنفسها أو لغيرها لكن يعتبر في الثاني ترتب الغير ليكون النهي فعليا وأما في المعاملات فلا يقتضيه عقلا ولا وضعا مطلقا ويقتضيه بحسب الاطلاق عرفا إن تعلق بها من حيث كونها معاملة مخصوصة لا لجهة غير الفساد فيستفاد من النهي حينئذ نفي الأثر فقط أو التحريم باعتبار عدم ترتب الأثر فينزل على صورة التشريع بأن يقصد مشروعيتها أو على صورة ما لو قصد أن يعامل معها معاملة الصحيحة فيحرم لحرمة ما قصد بها وذلك لان ألفاظ المعاملات موضوعة عندنا لخصوص الصحيحة كألفاظ العبادات فإذا استظهرنا من تعلق النهي بمعاملة فسادها تعين أن يراد من لفظها في ذلك الاستعمال فاسدتها مجازا إن لم يكن جعل الفساد بذلك النهي ولا ريب أن فاسدتها المشتملة على قصد الالتزام ب آثار المعاملة الصحيحة فيها أقرب من فاسدتها المجردة عنه فيتعين الحمل عليه وإن كان جعل الفساد بذلك النهي فالتقريب أوضح فيرجع مفاد النهي حينئذ إلى حرمة تلك المعاملة من حيث التشريع نظرا إلى عدم ترتب الأثر الشرعي المقصود بها عليها ثم لا فرق بين أن تكون الخصوصية ناشئة من حقيقة أحد الطرفين كبيع الخمر أو الشراء بها أو منهما كبيعها بمثلها أو من وصف أحدهما كبيع المجهول أو من وصفهما كبيع المجهول بالمجهول وإن تعلق بها لا من حيث كونها معاملة بل من حيث إنها متحدة بحقيقة محرمة أو لجهة غير الفساد فلا يقتضيه عرفا أيضا فيتمحض النهي حينئذ للتحريم وما نقل عن الأسدي من نقل الاجماع على عدم فساد المعاملة إذا كان النهي
(١٤٠)