الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٣٠
كيف يوصف بالمرجوحية وليت شعري هل تزيد جهته على هذه الجهة حتى يمكن نسبته المرجوحية إليها باعتبارها وإن أراد أنها لا توجب قربا أصلا لمعارضة الجهة المرجوحية ورد عليه ما مر من امتناع قصد القربة حينئذ هذا وغاية توجيه كلامه أن يقال للعبادة المكروهة اعتباران وحكمان متغايران لاحقان لها من حيث الأجزاء و من حيث الجملة فأما من حيث الأجزاء فهو مشتملة على جهتين إحداهما راجحة يترتب عليها القرب ترتبا فعليا والأخرى مرجوحة يترتب عليها البعد المترتب على المكروهات ترتبا فعليا لكن المرجوحية التي في الجهة المرجوحة زائدة على الرجحان الذي في الجهة الراجحة وكذلك البعد المترتب على الجهة المرجوحة زائدة على القرب المترتب على الجهة الراجحة كما يرشد إليه تركهم عليهم السلام لها ونهيهم عنها وأما من حيث الجملة فهي مرجوحة صرفة لا يترتب عليها إلا البعد وذلك لان وصفي الراجحية والمرجوحية الناشئتين من الجهتين لما تعارضتا في الجملة لوحدتهما فيها وامتناع توارد الوصفين المتنافيين على موضوع واحد سقط من المرجوحية ما ساواها من الراجحية وبقي الزائد منها من غير معارض وتلك الزيادة مرجوحية صرفة لا يشوبها شئ من الرجحان فتبقى ثابتة في الجملة عارضة لها فلا توصف الجملة إلا بالمرجوحية وكذلك القرب والبعد المترتبان على الجهتين لما تعارضا سقط من البعد ما وازاه من القرب وبقي الزائد عنه من غير معارض وهو بعد خالص لا يمازجه قرب وبهذا البيان يرتفع التنافي بين كلاميه حيث أثبت أولا أن الجهتين موصوفتان بالراجحية والمرجوحية وصرح بعد ذلك بزوال الرجحان وغلبة جهة المرجوحية بتنزيل كلامه الأول على اعتبار التفصيل والثاني على اعتبار الجملة ويصح قصد القربة على هذا البيان باعتبار الجز المقرب وإن صادفها من الجهة الأخرى ما يوجب رفعها بالكلية لان ترتبه عليها أمر مقطوع به كيف لا و لولاه لكان البعد المترتب على الجهة الأخرى أكثر لخلوها عن المعارض فمرجع القرب على هذا إلى تقليل البعد المترتب على الجهة المرجوحة فكما أن عدم البعد يصح أن يكون مطلوبا كذلك تقليله يصح أن يكون مطلوبا وفساد هذا التوجيه أيضا واضح لأنه بظاهره إنما تمشي حيث يكون هناك طبيعتان متغايرتان في الحقيقة ولو بحسب الذهن وبعد التحليل ليصح أن يتصف إحداهما بالرجحان وإفادة القرب والأخرى بالمرجوحية وإفادة البعد ومن الواضح أن العبادات المكروهة ليست كذلك لأنها عبادات خاصة ولا يعقل لها ماهيتان متغايرتان بالحقيقة حتى يصح توارد تلك الصفات المتنافية عليها باعتبارهما ضرورة أن الصلاة في الأزمنة أو الأمكنة المكروهة هي نفس ماهية الصلاة ولا مغايرة بينهما في الحقيقة أصلا وإنما بينهما مغايرة في مجرد الاعتبار والمغايرة الاعتبارية غير مجدية في ذلك إذ لا يعقل أن يكون حسن الفعل وقبحه ولوازمهما من إفادة القرب وعدمها منوطة باعتبار المعتبر فإن اعتبره من حيث هو أي لا بشرط اتصف بالحسن وإفادة القرب وإن اعتبره بشرط شئ اتصف بالقبح و إفادة البعد والسر فيه أن الاحكام اللاحقة للماهية لا بشرط تلحقها مع كل شرط قدر لحوقه بها وإلا لما كانت لاحقة للماهية لا بشرط بل للماهية بشرط عدم لحوق ذلك المنافي لها فإن صح ما ذكروه من أن الصلاة لا بشرط راجحة ومقربة لفاعلها امتنع أن تكون الصلاة في الأزمنة أو الأمكنة المكروهة مرجوحة غير مقربة وإلا فلا يكون الرجحان والقرب مترتبين على الصلاة لا بشرط بل بشرط لا ولو في الجملة كعدم تقيدها بخصوصية تلك الأزمنة أو الأمكنة المكروهة و ربما أمكن أن يسبق إلى الوهم أن إيجاد الصلاة شئ وتقييدها بزمان معين أو مكان معين شئ آخر فالأول محل للرجحان وإفادة القرب والثاني محل للمرجوحية وإفادة البعد وضعفه ظاهر لان تقييد الصلاة بزمان معين أو مكان معين ليس إلا إيجادها في زمان معين أو مكان معين فإذا كان الايجاد المذكور راجحا ومقربا امتنع أن يكون مرجوحا ومبعدا مع أن الاشكال الذي أوردناه على قصد القربة لا يجدي في دفعه التكلف المذكور لظهور أن المكلف إذا علم بأن المقيد لا يوجب له قربا أصلا بل يوجب له البعد امتنع أن يكون داعيه إلى الفعل تحصيل القرب وقصد التخلص من البعد أو من مزيده إنما يتصور حيث لا يكون البعد ناشئا من نفس الفعل كما احتملناه في الصلاة العارية عن الاقبال فلو قدر هناك قيام ما يقتضي تعلق القصد بتحصيل القرب على هذا الوجه فإن كان من الدواع الشرعية والغايات القربية كأمر السيد أو الوالدين أو التماس مؤمن فإن ترتب القرب على الفعل بعد تلك الضمائم وترجح رجحانه على مرجوحيته ولو بطريق الرجاء والاحتمال جاز قصد القربة من غير إشكال وخرج عن محل البحث وإلا امتنع قصده لما مر وأما إذا كانت الدواعي غير شرعية ولو مثل إلزام المنكر وإثبات الدعوى فصحة عمله في موضع المنع لا سيما في بعض صوره وتفصيل الكلام فيه موكول إلى موضعه مع أن دعوى اختصاص الداعي إلى فعل العبادات المكروهة بالدواعي الغير الشرعية عند العالم بالحقيقة مما يكذبه وجدان كل من له خبرة بالشريعة و وقوف على الطريقة وبالجملة فالفاضل المذكور قد سلك مسلك الاعتساف في بيان مكروه العبادة لا سيما في تصحيح أمر القربة حيث التزم فيها بأمور لا حاجة له إلى التزامها مما هو متضح الفساد بل التحقيق على القول بتعلق الاحكام بالطبائع من حيث هي أن يقال العبادة المكروهة مشتملة على جهتين إحداهما راجحة و مطلوبة الوجود يترتب على فعلها الثواب والقرب مطلقا و هي ماهية الصلاة مثلا والأخرى مرجوحة مطلوبة الترك يترتب على تركها الثواب والقرب مطلقا وهي ماهية وقوعها في مكان أو زمان مخصوص مثلا فإن كانت العبادة مما لها بدل جاز أن يكون جهة المرجوحية أقل من جهة الرجحان بل قد يتعين كما في الواجبات المكروهة وأن تكون مساوية أو أزيد وأما فيما لا بدل لها فنلتزم برجحان جهة المرجوحية على جهة الرجحان ولو غالبا فيكون الثواب والقرب المترتبان على الترك أكثر من الثواب والقرب المترتبين
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»