صحت صلاته وكذلك بقية عباداته الغير الكونية فيه ومنها أن من آجر نفسه على الكون في مكان كان له أن يؤجر نفسه لاخر على عمل كالخياطة والتجارة والصلاة فيه إذا ساغ له التصرف فيه ومنها أن من كان في مكان رياء صحت صلاته وسائر أفعاله الراجحة التي أوقعها فيه إن لم يراء فيها ومنها صحة الصلاة في مواضع التهمة وإن بلغ حد التحريم وقد مر التنبيه عليه ومنها صحة الصلاة ونحوها تحت جدار يخاف هدمها أو في مكان يخاف على نفسه مع تمكنه من التخلص بالذهاب ومنها أن المعتكف إذا تحرك في المسجد حركة محرمة أو سكن سكونا محرما لم يبطل اعتكافه بذلك بخلاف ما لو كان كونه فيه كونا محرما كما لو نذر أن لا يكون في بعض جوانبه ولو في بعض الأحوال فكان فيه فإن قضية الأصل فيه البطلان إلى غير ذلك فإن حرمة الكون في هذه المواضع لا ينافي صحة العمل وإن توقف في بعضها على ما مر تحقيقه من أن الامر بالشئ لا يقتضي فساد الضد وعلى الوجه الثالث بأن إنكار حصول الامتثال بالخياطة مكابرة تشهد الضرورة بخلافها ويمكن دفعه بأن المجيب إنما أنكر الامتثال على تقدير أن يكون الكون في المكان جزا منها فهو كالتزام محال على تقدير محال ولا غبار عليه إذا تحقق اللزوم بينهما أو أنه مبني على حمل الكون على المعنى الثالث وحينئذ فلا تشهد الضرورة على خلاف ما ادعاه إن لم تشهد عليه ومع الاغماض عن ذلك كله فلنا أن نمنع حجية العرف في مثل هذه المسألة فإنها من المباحث العقلية النظرية فيجوز تطرق الخطأ فيها إلى أفهام العوام غاية الامر أنه إذا ورد من المولى الحكيم العارف بالحال مثل هذا الخطاب وجب عليه أن ينبه الجاهل في مقام الحاجة على مورد الخطأ ببيان أن مراده الاتيان بالفعل في غير ذلك المكان كما يجب عليه التنبيه على سائر الشروط المعتبرة عنده مما لا مسرح للعقل فيها و اعلم أن من فروع المسألة ما لو صلى في الدار المغصوبة بل مطلق المكان المغصوب مع العلم بالتحريم وقد مر فتبطل على القول بعدم جواز الاجتماع لما مر ويصح على القول بجوازه إن لم يدل دليل على خلافه ومنها ما لو صلى في ملبوس مغصوب ولو كان خاتما بل مطلق المحمول نعم يعتبر هنا وقوع بعض الأفعال فيه كالهوي إلى الركوع والسجود والانتصاب منهما بناء على كونهما جزا من الصلاة وأما لو كان حال استقراره فقط فالقاعدة تقتضي الصحة على القولين لا سيما إذا كان متسترا بغيره فعلى هذا لو حمل ثوبا مغصوبا حال القيام وألقاه عند ركوعه ثم حمله فيه وألقاه عند الانتصاب منه والهوي إلى سجوده وهكذا صحت صلاته ومنها ما لو صلى على مغصوب من أرض أو ثوب أو شبهه ويعتبر في البطلان وقوع بعض الفعل الواجب عليه كما لو وضع رجليه عليه حال القيام الواجب والركوع أو وضع أحد المساجد السبعة عليه كما في القيام ولو قام على غيره ووضع أصابع رجليه عليه أو سجد على غيره ووضع أصابع يديه عليه أو كان الوضع في غير حال وجوبه فالوجه عدم البطلان ومن لواحق المسألة ما لو أذن له مالك الدار في التصرف فيها مطلقا ونهاه عن أكل شئ مطلقا فأكله فيها فعلى ما اخترناه يكون آثما بفعله وعلى القول الاخر لا إثم عليه لتغاير الطبيعتين وقد مر نظيرها في مسألة الضد ولو زكى في مكان مغصوب أو خمس أو تصدق فيه فالوجه صحة عمله لان نقل المال إلى الاخذ أو تخصيصه به أمر معنوي لا يشتمل على التصرف في المكان والقبض والاقباض وإن اشتملا على التصرف فيه إلا أنهما شرط في وقوع ذلك فالنهي عنهما من حيث كونهما غصبا لا يقتضي فساد المشروط كما سيأتي فصل حكي عن القاضي في مثل من توسط أرضا مغصوبة القول بأنه مأمور بالخروج ومنهي عنه وأنه عاص بفعله وتركه وعزي ذلك أيضا إلى جماعة من أصحابنا وذهب قوم إلى أنه مأمور بالخروج وليس منهيا عنه ولا معصية عليه والحق أنه مأمور بالخروج مطلقا أو بقصد التخلص وليس منهيا عنه حال كونه مأمورا به لكنه عاص به بالنظر إلى النهي السابق وكان ما عزي إلى الفخر الرازي من القول بأنه مأمور بالخروج وحكم المعصية جار عليه راجع إلى ما ذكرناه لنا أن المكلف في الزمن الذي لا يتمكن من الخروج فيما دونه لا يتمكن من ترك الغصب فيه مطلقا فلا يصح النهي عنه مطلقا إذ التكليف بالمحال محال عندنا وإن كان ناشئا من قبل المكلف للقطع بكونه سفها نعم ربما يجوز أن يؤمر به حينئذ على وجه التعجيز والسخرية لكنه خارج عن المتنازع فإذن لا بد من ارتفاع النهي عن الغصب في تلك المدة على بعض الوجوه وليس إلا صورة الخروج إذ لا قائل بغيره ولدلالة العقل والنقل على أنه مأمور بالخروج وهو يقتضي عدم النهي عنه وإلا لعاد المحذور من التكليف المحال والتكليف بالمحال نعم يجري عليه حكم المعصية في تلك المدة على تقدير الخروج بالنسبة إلى النهي السابق على وقوع السبب أعني الدخول لتمكنه منه حينئذ وهذا حكم كلي يجري في جميع ذوات الأسباب التي لا تقارن حصولها حصول أسبابها كالقتل المستند إلى الالقاء من الشاهق ومثله ترك الحج عند الاتيان بما يوجبه من ترك المسير وغير ذلك فإن التحقيق في مثل ذلك أن التكليف بالفعل يرتفع عند ارتفاع تمكن المكلف منهما ويبقى حكم المعصية من استحقاق الذم و العقاب جاريا عليه وكذا الكلام في الامر فإن التكليف بالمأمور به يرتفع عند الاتيان بالسبب الموجب له ويبقى حكم الامتثال والطاعة من استحقاق المدح والثواب جاريا عليه حال حصوله هذا وينبغي أن يعلم أن الخروج إنما يجب ويتعين إذا انحصر سبيل التخلص من الغصب على الوجه المشروع حال الغصب فيه كما هو الغالب وعليه يحمل إطلاق كلماتهم وأما لو علم بحصول أحد الأسباب المبيحة للتصرف في مدة لا يزيد على زمن الخروج كما لو علم بانتقال العين أو المنفعة إليه أو إلى من يبيح له التصرف أو علم بحصول رضى المالك لم يجب عليه الخروج إلا أن يعين عليه المالك في وجه ولو تمكن من التخلص ببذل وشبهه لم يتعين عليه الخروج احتج من قال بأنه مأمور بالخروج ومنهي عنه بأنهما دليلان تواردا فلا بد من إعمالهما إذ المانع منهما إما العقل و ليس إلا لكونه تكليفا بالمحال وهو لا يصلح مانعا لجوازه إذا كان من قبل المكلف وإما العرف ولا دلالة عليه فإن قيل الخروج أخص من الغصب وتوارد الأمر والنهي على العام والخاص يفيد عرفا تخصيص
(١٣٨)