الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٢٩
في كون الواقع عبادة ولا ريب أنه ينافي كونه مرجوحا صرفا وأيضا فالعبادة المقيدة بالخصوصية المرجوحة إما أن يكون المطلوب وجودها أو عدمها أو وجودها وعدمها فإن كان الأول لزم عدم الكراهة وإن كان الثاني لزم خروجها عن كونها عبادة وإن كان الثالث لزم التكليف بالمحال لا يقال هناك جهتان إحداهما مطلوبة و الأخرى مكروهة ومجرد المقارنة في الوجود الخارجي لا يوجب أن يخرج المطلوب عن كونه مطلوبا ولا المكروه عن كونه مكروها و هل ذلك إلا كارتكاب مكروه حال التشاغل براجح فإنهما لا يخرجان عن الوصف الذي هما عليه من المرجوحية والرجحان لأنا نقول هذا ينافي ما اعترف به القائل المذكور من زوال الرجحان و غلبة جهة المرجوحية مع أنه قد التزم في النوافل المبتدئة على ما سيأتي بأن لكل زمان يسع لأداء ركعتين وظيفة مطلوبة وهي الركعتان ولا ريب في أن وظيفة كل زمان يستلزم خصوصية ذلك الزمان وإلا لخرجت عن كونها وظيفة له فيكون الامر بالوظيفة والنهي عن الخصوصية من قبيل الامر بأحد المتلازمين والنهي عن الاخر وهو طلب للمحال وأيضا لا ريب في عدم جواز ذلك في الامر الايجابي و النهي التحريمي فكذلك في الامر الندبي والنهي التنزيهي لظهور أن المناط عدم التمكن من الامتثال وأنه قدر مشترك بينهما نعم يمكن التفصي عن ذلك بوجه آخر وهو أن يقال لا نسلم أن المطلوب في الفرض المذكور هي الطبيعة المقيدة بل الطبيعة المطلقة وكراهة إيقاعها في الأزمنة المخصوصة لا ينافي كونها مطلوبة من حيث هي لتعدد الجهة مع إمكان الامتثال بإيقاعها في غيرها فيكون من قبيل ما له بدل لكن يرد عليه وعلى الوجه السابق أن مورد المطلوبية و المبغوضية على ما مر هو الوجود الخارجي أو الماهية الخارجية وهما عين الوجود المقيد بالخصوصية أو الماهية المقيدة بها وكذا إذا جعل موردهما جعل أحدهما فيلزم أن يتواردا على الواحد الشخصي وأنه محال وقد ظهر مما قررنا فساد فرقه بين ما له بدل وما لا بدله له في لزوم الاشكال وأما ما تمسك به من أنهم عليهم السلام كانوا يتركون تلك العبادات وينهون شيعتهم عنها فسيأتي الجواب عنه بما لا مزيد عليه الثاني فيما ذكره في قصد القربة فنقول ما ادعاه من أن قصد القربة لا يتوقف على العلم بحصولها بل يتحقق مع العلم بعدم حصولها أمر غير معقول إذ ليس المقصود من قصد القربة مجرد الاخطار بالبال وإلا لصحت عبادة المرائي وشبهه معه بل إما الداعي كما هو الحق أو الاخطار بالبال المقرون به ولا ريب في أن من علم عدم ترتب أثر على فعل امتنع أن يكون الداعي له إليه ترتب ذلك الأثر فمن علم أن عبادة مخصوصة لا توجب له القرب امتنع أن يكون الداعي له إليها ترتب القرب عليها وأما وقوع العتق من الكافر مع اشتراطه بقصد القربة فلا ينافي ذلك لان قصد القربة منه مبني على زعمه الفاسد من تيسر حصولها له حال كفره واعتداد الشارع به دليل على أن المعتبر فيه مجرد قصدها سواء حصلت أم لم تحصل تسهيلا لأمر الفك والتخليص ولو قلنا بصحته ممن ينكر الإلهية كان الشرط حينئذ مجرد إبراز صورة القربة سواء اعتقد به و حصلت أم لا وهذا خارج عن محل الفرض وكذا الكلام في تغسيل الكافر الميت المسلم عند فقد المماثل والمحرم على القول به فإن العبرة فيه بمجرد الصورة ومما قررنا يظهر فساد قوله وإلا لما صح أكثر عباداتنا إلخ وقوله ولعلمه يكفي وقوله مع أن قصد القربة إلخ إذ دعوى أن الداعي هو القربة مع العلم بعدم حصولها مما يقطع بفساده وإن أراد تفسير القربة بمجرد كون المأتي به صورة عبادة أو مجرد موافقة الامر كما هو الظاهر من بيانه فواضح السقوط و أيضا ضرورة العقل قاضية بأن الامتثال وموافقة الامر لا ينفك عن حصول قرب ولو في الجملة فدعوى عدم حصوله في البعض أصلا غير مسموعة نعم ورد في جملة من الاخبار المروية عن الأئمة الأطهار عليهم السلام أن الصلاة تقبل من فاعلها على حسب ما يقبل عليها فربما يوهم ذلك أن الصلاة التي لا تشتمل على الاقبال لا توجب قربا أصلا لعدم القبول وجوابه أن القبول فيها محمول على ما يوجب القرب الوافر أو المعتد به أو كمال المقبولية جمعا بينها وبين ما دل على ترتب الأجر والثواب على فعلها من العقل والنقل وظاهر أن ذلك أيضا ممن مراتب القرب مع احتمال أن لا توجب قربا لفاعلها أصلا وإن صانته عن البعد المترتب على تركها فقصد التقرب بها على هذا التقدير بمعنى قصد السلامة من البعد المترتب على الترك و لا يخفى بعده وكيف كان فلا يترتب القرب بشئ من معانيه على مكروه العبادة على ما ذكره فلا يتأتى من العالم به قصده بها ثم ما ادعاه من صحة قصد القربة باعتبار الدخول في ذي المتعبدين إنما يصح إذا كان المأتي به عبادة وقد بينا فساده ولو اكتفى بكونه صورة عبادة نقلنا الكلام إليها فإن صورة العبادة إنما تكون عبادة إذا تعلق بها الطلب هذا ودعوى أن المطلوب في النوافل المبتدئة في الأوقات المكروهة ونحوها إنما هو صورة الصلاة دون حقيقتها مجازفة واضحة وأما ما عزاه إلى الحكيم من قوله أريد هذه الطبيعة و لا أريد إيجادها في ضمن هذا الفرد فمحصله أن للحكيم هناك إرادتين وحكمين إحداهما إرادة نفس الطبيعة وإيجابها والأخرى إرادة عدم إيجادها في ضمن الفرد المخصوص والنهي عنه وأنهما يجتمعان في إيجاد ذلك الفرد ولا منافاة وفساد هذا الكلام مما لا يكاد يخفى بعد ما مر إذ تعلق الإرادة والايجاب بالطبيعة من حيث هي غير معقول وتعلقها بها باعتبار الخارج أو الوجود أو الايجاد أو الجعل يوجب توارد المطلوبية والمبغوضية على واحد شخصي بالنسبة إلى ذلك الفرد وقد عرفت فساده وبهذا يظهر فساد ما اعتذر به من أن ما تعلق به النهي خارج عن العبادة ثم ما ذكر من أنه يصح قصد التقرب باعتبار نفس الطبيعة الحاصلة فمما لم نقف له على محصل لان الطبيعة المأتي بها مقيدة بالخصوصية المرجوحة كما هو المفروض أو هي عينها فإن أراد أنها حينئذ توجب لفاعلها القرب فهو هدم لما بني عليه من مرجوحية العبادات المكروهة في حد أنفسها إذ ما يترتب عليه القرب إليه
(١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 ... » »»