يعني ما علمه الله من الوحي وما ألهمه وهو صغير، كما قال تعالى: * (ولقد ءاتينآ إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين) * ومحاجة إبراهيم لقومه كما ذكرنا بعض الآيات الدالة عليها أثنى الله بها على إبراهيم، وبين أنها حجة الله آتاها نبيه إبراهيم. كما قال تعالى: * (وتلك حجتنآ ءاتيناهآ إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشآء) *، وقال تعالى: * (وحآجه قومه قال أتحاجونى فى الله وقد هدانى) *، وكون الآيات المذكورة واردة في محاجته لهم المذكورة في سورة (الأنعام) لا ينافي ما ذكرنا. لأن أصل المحاجة في شيء واحد وهو توحيد الله جل وعلا، وإقامة الحجة القاطعة على أنه لا معبود إلا هو وحده جل وعلا في سورة (الأنعام) وفي غيرها. والعلم عند الله تعالى. قوله تعالى: * (قال أراغب أنت عن آلهتى ياإبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرنى مليا قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بى حفيا) *. بين الله جل وعلا في هاتين الآيتين الكريمتين: أن إبراهيم لما نصح أباه النصيحة المذكورة مع ما فيها من الرفق واللين، وإيضاح الحق والتحذير من عبادة ما لا يسمع ولا يبصر. ومن عذاب الله تعالى وولاية الشيطان خاطبة هذا الخطاب العنيف، وسماه باسمه ولم يقل له يا بني في مقابلة قوله له يا أبت. وأنكر عليه أنه راغب عن عبادة الأوثان أي معرض عنها لا يريدها. لأنه لا يعيد إلا الله وحده جل وعلا. وهدده جل وعلا. وهدده بأنه إن لم ينته عما يقوله له ليرجمنه (قيل بالحجارة وقيل باللسان شتما) والأول أظهر. ثم أمره بهجره مليا أي زمانا طويلا، ثم بين أن إبراهيم قابل أيضا جوابه العنيف بغاية الرفق واللين في قوله: * (قال سلام عليك سأستغفر لك ربي) *. وخطاب إبراهيم لأبيه الجاهل بقوله * (سلام عليك) * قد بين جل وعلا أنه خطاب عباده المؤمنين للجهال إذا خاطبوهم، كما قال تعالى: * (وعباد الرحمان الذين يمشون على الا رض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) *، وقال تعالى: * (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنآ أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين) * وما ذكره تعالى هنا من أن إبراهيم لما أقنع أباه بالحجة القاطعة، قابله أبوه بالعنف والشدة بين في مواضع أخر أنه هو عادة الكفار المتعصبين لأصنامهم، كلما أفحموا بالحجة القاطعة لجؤوا إلى استعمال القوة، كقوله تعالى عن إبراهيم لما قال له الكفار عن أصنامهم: * (لقد علمت
(٤٢٧)