أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٤٢٨
ما هاؤلاء ينطقون) * قال * (أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون) * فلما أفحمهم بهذه الحجة لجؤوا إلى القوة، كما قال تعالى عنهم: * (قالوا حرقوه وانصروا ءالهتكم إن كنتم فاعلين) *. ونظيره قوله تعالى عن قوم إبراهيم: * (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار) *، وقوله عن قوم لوط لما أفحمهم بالحجة: * (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا ءال لوط من قريتكم) *، إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله: * (سلام عليك) * يعني لا ينالك مني أذى ولا مكروه، بل ستسلم مني فلا أوذيك. وقوله: * (سأستغفر لك ربي) * وعد من إبراهيم لأبيه باستغفاره له، وقد وفى بذلك الوعد، كما قال تعالى عنه: * (واغفر لابى إنه كان من الضآلين) *، وكما قال تعالى عنه: * (ربنا اغفر لى ولوالدى وللمؤمنين يوم يقوم الحساب) *.
ولكن الله بين له أنه عدو لله تبرأ منه، ولم يستغفر له بعد ذلك، كما قال تعالى: * (فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم) *، وقد قال تعالى: * (وما كان استغفار إبراهيم لابيه إلا عن موعدة وعدهآ إياه) * والموعدة المذكورة هي قوله هنا * (سأستغفر لك ربي) * الآية. ولما اقتدى المؤمنون بإبراهيم فاستغفروا لموتاهم المشركين، واستغفر النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب أنزل الله فيهم * (ما كان للنبى والذين ءامنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) *. ثم قال: * (وما كان استغفار إبراهيم لابيه) *. وبين في سورة (الممتحنة) أن الاستغفار للمشركين مستثنى من الإسوة بإبراهيم، والإسوة الاقتداء، وذلك في قوله تعالى: * (قد كانت لكم أسوة حسنة فى إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا) * إلى قوله * (إلا قول إبراهيم لابيه لاستغفرن لك) *، أي فلا أسوة لكم في إبراهيم في ذلك. ولما ندم المسلمون على استغفارهم للمشركين حين قال فيهم: * (ما كان للنبى والذين ءامنوا أن يستغفروا للمشركين) * بين الله تعالى أنهم معذورون في ذلك. لأنه لم يبين لهم منع ذلك قبل فعله، وذلك في قوله: * (وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون) *.
وقوله في هذه الآية: * (أراغب أنت عن آلهتى) * يجوز فيه أن يكون (راغب) خبرا
(٤٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 423 424 425 426 427 428 429 430 431 432 433 ... » »»