أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٣
((سورة بني إسرائيل)) * (سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الا قصى الذى باركنا حوله لنريه من ءاياتنآ إنه هو السميع البصير * وءاتينآ موسى الكتاب وجعلناه هدى لبنى إسراءيل ألا تتخذوا من دونى وكيلا * ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا * وقضينآ إلى بنى إسراءيل فى الكتاب لتفسدن فى الا رض مرتين ولتعلن علوا كبيرا * فإذا جآء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنآ أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا * ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا * إن أحسنتم أحسنتم لانفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جآء وعد الا خرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا * عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا * إن هاذا القرءان يهدى للتى هى أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا * وأن الذين لا يؤمنون بالا خرة أعتدنا لهم عذابا أليما * ويدع الإنسان بالشر دعآءه بالخير وكان الإنسان عجولا) *) * قوله تعالى: * (سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الا قصى) *. وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولا ويكون في الآية قرينة تدل على عدم صحة ذلك القول. فإنا نبين ذلك. فإذا علمت ذلك.
فاعلم أن هذا الإسراء به صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة، زعم بعض أهل العلم أنه بروحه صلى الله عليه وسلم دون جسده، زاعما أنه في المنام لا اليقظة، لأن رؤيا الأنبياء وحي.
وزعم بعضهم: أن الإسراء بالجسد، والمعراج بالروح دون الجسد، ولكن ظاهر القرآن يدل على أنه بروحه وجسده صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناما، لأنه قال * (بعبده) * والعبد عبارة عن مجموع الروح والجسد، ولأنه قال * (سبحان) * والتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام. فلو كان مناما لم يكن له كبير شأن حتى يتعجب منه. ويؤيده قوله تعالى: * (ما زاغ البصر وما طغى) * لأن البصر من آلات الذات لا الروح، وقوله هنا * (لنريه من ءاياتنا) *.
ومن أوضح الأدلة القرآنية على ذلك قوله جل وعلا: * (وما جعلنا الرءيا التى أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة فى القرءان) * فإنها رؤيا عين يقظة، ولا رؤيا منام، كما صح عن ابن عباس وغيره.
ومن الأدلة الواضحة على ذلك أنها لو كانت رؤيا منام لما كانت فتنة، ولا سببا لتكذيب قريش، لأن رؤيا المنام ليست محل إنكار، لأن المنام قد يرى فيه ما لا يصح. فالذي جعله الله فتنة هو ما رآه بعينه من الغرائب والعجائب. فزعم المشركون أن من ادعى رؤية ذلك بعينه فهو كاذب لا محالة، فصار فتنة لهم. وكون الشجرة المعلونة التي هي شجرة الزقوم على التحقيق فتنة لهم (أن الله لما أنزل قوله: * (إنها
(٣)
الذهاب إلى صفحة: 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»