إذا زيدت قبلها لفظة (من) لتوكيد العموم كانت نصا صريحا في العموم، وتطرد زيادتها للتوكيد المذكور قبل النكرة في سياق النفي في ثلاثة مواضع: قبل الفاعل كقوله تعالى: * (مآ أتاهم من نذير) *، وقبل المفعول كهذه الآية، وكقوله * (ومآ أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه) *: وقبل المبتدأ كقوله * (لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إلاه غيره) *. قوله تعالى: * (فاختلف الا حزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم) *. أظهر الأقوال في (الأحزاب) المذكورة في هذه الآية أنهم فرق اليهود والنصارى الذين اختلفوا في شأن عيسى. فقالت طائفة: هو ابن زنى. وقالت طائفة: هو ابن الله. وقالت طائفة: هو الله. وقالت طائفة: هو إله مع الله. ثم إن الله توعد الذين كفروا منهم بالويل لهم من شهود يوم القيامة. وذلك يشمل من كفر بالتفريط في عيسى كالذي قال إنه ابن زنى. ومن كفر بالإفراط فيه كالذين قالوا إنه الله أو ابنه. وقوله (ويل) كلمة عذاب. فهو مصدر لا فعل له من لفظه. وسوغ الابتداء به وهو نكرة كونه في معنى الدعاء. والظاهر أن المشهد في الآية مصدر ميمي. أي فويل لهم من شهود ذلك اليوم أي حضوره لما سيلاقونه فيه من العذاب. خلافا لمن زعم أن المشهد في الآية اسم مكان. أي فويل لهم من ذلك المكان الذي يشهدون فيه تلك الأهوال والعذاب. والأول هو الظاهر وهو الصواب إن شاء الله تعالى. وهذا المعنى الذي ذكره هنا ذكره أيضا في سورة (الزخرف) في قوله تعالى: * (ولما جآء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذى تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون إن الله هو ربى وربكم فاعبدوه هاذا صراط مستقيم فاختلف الا حزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم) * وما أشار إليه في الآيتين: من أن الذين كفروا بالإفراط أو التفريط في عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، أنه لم يعاجلهم بالعذاب، وأنه يؤخر عذابهم إلى الوقت المحدد لذلك أشار له في مواضع أخر. كقوله تعالى: * (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) *، وقوله تعالى: * (وما نؤخره إلا لاجل معدود) *، وقوله: * (ولولا أجل مسمى لجآءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون) *. وبالجملة فالله تعالى يمهل الظالم إلى وقت عذابه، ولكنه لا يهمله. وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله
(٤٢٠)