أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٤١٨
الأول أن المراد بالحق ضد الباطل بمعنى الصدق والثبوت. كقوله: * (وكذب به قومك وهو الحق) * وعلى هذا القول فاعراب قوله (قول الحق) على قراءة النصب أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة كما تقدم. وعلى قراءة الرفع فهو خبر مبتدأ محذوف كما تقدم. ويدل لهذا الوجه قوله تعالى في (آل عمران) في القصة بعينها: * (الحق من ربك فلا تكن من الممترين) *.
الوجه الثاني أن المراد بالحق في الآية الله جل وعلا. لأن من أسمائه (الحق) كقوله: * (ويعلمون أن الله هو الحق المبين) *، وقوله * (ذالك بأن الله هو الحق) *. وعلى هذا القول فإعراب قوله تعالى * (قول الحق) * على قراءة النصب أنه منصوب على المدح. وعلى قراءة الرفع فهو بدل من (عيسى) أو خبر، وعلى هذا الوجه ف (قول الحق)، هو (عيسى) كما سماء الله كلمة في قوله: * (وكلمته ألقاها إلى مريم) *، وقوله: * (إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح) *. وإنما سمى (عيسى) كلمة لأن الله أوجده بكلمته التي هي (كن) فكان. كما قال: * (إن مثل عيسى عند الله كمثل ءادم خلقه من تراب ثم قال له كن) *. والقول والكلمة على هذا الوجه من التفسير بمعنى واحد.
وقوله: * (الذى فيه يمترون) * أي يشكون. فالامتراء افتعال من المرية وهي الشك. وهذا الشك الذي وقع للكفار نهى الله عنه المسلمين على لسان نبيهم في قوله تعالى * (إن مثل عيسى عند الله كمثل ءادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين) * وهذا القول الحق الذي أوضح الله به حقيقة الأمر في شأن عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بعد نزوله على نبينا صلى الله عليه وسلم أمره ربه أن يدعو من حاجه في شأن عيسى إلى المباهلة. ثم أخبره أن ما قص عليه من خبر عيسى هو القصص الحق، وذلك في قوله تعالى: * (فمن حآجك فيه من بعد ما جآءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنآءنا وأبنآءكم ونسآءنا ونسآءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين إن هاذا لهو القصص الحق) *. ولما نزلت ودعا للنبي صلى الله عليه وسلم وفد نجران إلى المباهلة خافوا الهلاك وأدوا كما هو مشهور. قوله تعالى * (ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) *.
(٤١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 413 414 415 416 417 418 419 420 421 422 423 ... » »»