أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٤١٩
اعلم أولا أن لفظ (ما كان) يدل على النفي، فتارة يدل ذلك النفي من جهة المعنى على الزجر والردع، كقوله تعالى: * (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الا عراب أن يتخلفوا عن رسول الله) *. وتارة يدل على التعجيز، كقوله تعالى: * (ءآلله خير أما يشركون أمن خلق السماوات والا رض وأنزل لكم من السمآء مآء فأنبتنا به حدآئق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها) *. وتارة يدل على التنزيه، كقوله هنا: * (ما كان لله أن يتخذ من ولد) * وقد أعقبه بقوله * (سبحانه) * أي تنزيها له عن اتخاذ الولد وكل ما لا يليق بكماله وجلاله. فقوله * (ما كان لله) * بمعنى ما يصح ولا يتأتى ولا يتصور في حقه جل وعلا أن يتخذ ولدا، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا. والآية كقوله تعالى: * (وما ينبغى للرحمان أن يتخذ ولدا) *. وفي هذه الآية الرد البالغ على النصارى الذين زعموا المحال في قولهم (عيسى ابن الله) وما نزه عنه جل وعلا نفسه هنا من الولد المزعوم كذبا كعيسى نزه عنه نفسه في مواضع أخر، كقوله تعالى: * (إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم) * إلى قوله * (إنما الله إلاه واحد سبحانه أن يكون له ولد) *. والآيات الدالة على مثل ذلك كثيرة، كقوله تعالى: * (وقالوا اتخذ الرحمان ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الا رض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمان ولدا وما ينبغى للرحمان أن يتخذ ولدا) * إلى غير ذلك من الآيات كما تقدم مستوفى في سورة (الكهف). وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: * (إذا قضى أمرا) * أي أراد قضاءه، بدليل قوله: * (إنما قولنا لشىء إذآ أردناه أن نقول له كن فيكون) *، وقوله تعالى: * (إنمآ أمره إذآ أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) * وحذف فعل الإرادة لدلالة المقام عليه كثير في القرآن وفي كلام العرب، ومن أمثلته في القرآن قوله تعالى: * (ياأيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلواة) *، أي إذا أردتم القيام إليها، وقوله تعالى: * (فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) * أي إذا أردت قراءة القرآن، كما تقدم مستوفى.
وقوله تعالى في الآية التي نحن بصددها: * (ما كان لله أن يتخذ من ولد) * زيدت فيه لفظة (من) قبل المفعول به لتأكيد العموم. وقد تقرر في الأصول أن النكرة في سياق النفي
(٤١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 414 415 416 417 418 419 420 421 422 423 424 ... » »»