ومذاهب الأئمة الأربعة متقاربة في هذه المسألة، وبينهم اختلاف في بعض فروعها.
فمذهب مالك رحمه الله: أن الإشارة المفهمة تقوم مقام النطق. قال خليل بن إسحاق في مختصره، الذي قال في ترجمته مبينا لما به الفتوى يعني في مذهب مالك الكلام على الصيغة التي يحصل بها الطلاق. ولزم بالإشارة المفهمة. يعني أن الطلاق يلزم بالإشارة المفهمة مطلقا من الأخرس والناطق وقال شارحه المواق رحمه الله من المدونة. ما علم من الأخرس بإشارة أو بكتاب من طلاق أو خلع أو عتق أو نكاح. أو بيع أو شراء أو قذف لزمه حكم المتكلم. وروى الباجي. إشارة السليم بالطلاق برأسه أو بيده كلفظه، لقوله تعالى: * (ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا) * ا ه منه. ورواية الباجي هذه عليها أهل المذهب. ومذهب أبي حنيفة رحمه الله: أن إشارة الأخرس تقوم مقام كلام الناطق في تصرفاته، كإعتاقه وطلاقه، وبيعه وشرائه، ونحو ذلك. أما السليم فلا تقبل عنده إشارته لقدرته على النطق. وإشارة الأخرس بقذف زوجته لا يلزم عنده فيها حد ولا لعان. لأن الحدود تدرأ بالشبهات. وعدم التصريح شبهة عنده. لأن الإشارة قد يفهم ما لا يقصد المشير. ولأن أيمان اللعان لها صيغ لا بد منهما ولا تحصل بالإشارة وكذلك عنده إذا كانت الزوجة المقذوفة خرساء فلا حد ولا لعان عنده. لاحتمال أنها لو نطقت لصدقته، ولأنها لا يمكنها الإتيان بألفاظ الأيمان المنصوصة في آية اللعان. وكذلك عنده القذف لا يصح من الأخرس. لأن الحدود تدرأ بالشبهات.
وقال بعض العلماء من الحنيفة: إن القياس منع اعتبار إشارة الأخرس، لأنها لا تفهم كالنطق في الجميع، وأنهم أجازوا العمل بإشارة الأخرس في غير اللعان والقذف على سبيل الاستحسان، والقياس المنع مطلقا. ومذهب الشافعي في هذه المسألة اعتبار إشارة الأخرس في اللعان وغيره. وعدم اعتبار إشارة السليم.
وأما مذهب الإمام أحمد فظاهر كلام أحمد رحمه الله تعالى أنه لا لعان إن كان أحد الزوجين أخرس، كما قدمنا توجيهه في مذهب أبي حنيفة. وقال القاضي وأبو الخطاب: إن فهمت إشارة الأخرس فهو كالناطق في قذفه ولعانه. وأما طلاق الأخرس ونكاحه وشبه ذلك فالإشارة كالنطق في مذهب الإمام أحمد. وأما السليم فلا تقبل عنده إشارته بالطلاق ونحوه.
هذا حاصل كلام الأئمة وغيرهم من فقهاء الأمصار في هذه المسألة. وقد رأيت ما جاء فيها من أدلة الكتاب والسنة.