أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٤١٤
عمران أخا موسى كما يظنه بعض الجهلة. وإنما هو رجل آخر صالح من بني إسرائيل يسمى هارون. والدليل على أنه ليس هارون أخا موسى ما رواه مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وأبو سعيد الأشج، ومحمد بن المثنى العنزي. واللفظ لابن نمير قالوا: حدثنا ابن إدريس عن أبيه، عن سماك بن حرب، عن علقمة بن وائل، عن المغيرة بن شعبة قال: لما قدمت نجران سألوني فقالوا: إنكم تقرؤون * (ياأخت هارون) * وموسى قبل عيسى بكذا وكذا. فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن ذلك فقال: (إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم) ا ه، هذا لفظ مسلم في الصحيح. وهو دليل على أنه رجل آخر غير هارون أخي موسى، ومعلوم أن هارون أخا موسى قبل مريم بزمن طويل. وقال ابن حجر في (الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف) في قول الزمخشري: إنما عنوا هارون النبي ما نصه: لم أجده هكذا إلا عند الثعلبي بغير سند، ورواه الطبري عن السدي قوله وليس بصحيح. فإن عند مسلم والنسائي والترمذي عن المغيرة بن شعبة قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى نجران فقالوا لي: أرأيتم شيئا يقرؤونه (يا أخت هارون) وبين موسى وعيسى ما شاء الله من السنين، فلم أدر ما أجيبهم؟ فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (هلا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين من قبلهم) وروى الطبري من طريق ابن سيرين: نبئت أن كعبا قال: إن قوله تعالى * (ياأخت هارون) * ليس بهارون أخي موسى، فقالت له عائشة: كذبت؟ فقال لها: يا أم المؤمنين، إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قال فهو أعلم، وإلا فأني أجد بينهما ستمائة سنة انتهى كلام ابن حجر.
وقال صاحب الدر المنثور في قوله تعالى * (ياأخت هارون) *: أخرج ابن أبي شيبة، وأحمد وعبد بن حميد، ومسلم والترمذي والنسائي، وابن المنذر وابن أبي حاتم، وابن حبان والطبراني، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن المغيرة بن شعبة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران.. إلى آخر الحديث كما تقدم آنفا. وبهذا الحديث الصحيح الذي رأيت إخراج هؤلاء الجماعة له، وقد قدمناه بلفظه عند مسلم في صحيحه تعلم أن قول من قال: إن المراد هارون أخو موسى باطل سواء قيل إنها أخته، أو أن المراد بأنها أخته أنها من ذريته، كما يقال للرجال: يا أخا تميم، والمراد يا أخا بني تميم، لأنه من ذرية تميم. ومن هذا القبيل قوله: * (واذكر أخا عاد) *، لأن هودا إنما قيل له أخو عاد لأنه من ذريته، فهو أخو بني عاد، وهم المراد بعاد في الآية لأن
(٤١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 409 410 411 412 413 414 415 416 417 418 419 ... » »»