أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٤٠٧
حلقه، فجعل إشارته إلى أن درع الحديد المضروب بها المثل للبخيل ثابتة على حلقه لا تنزل عنه ولا تستر عورته ولا بدنه كالنطق بذلك.
فهذه أربعة عشر حديثا أوردها البخاري رحمه الله في الباب المذكور، وسقناها هنا، وبينا وجه الدلالة على أن الإشارة كالنطق في كل واحد منها، مع ما قدمنا من الأحاديث الدالة على ذلك زيادة على ما ذكره البخاري هنا.
وقد ذكر البخاري رحمه الله في أول باب (اللعان) خمسة أحاديث أيضا كل واحد منها فيه الدلالة على أن الإشارة كالنطق ولم نذكرها هنا لأن فيما ذكرنا كفاية.
وقال ابن حجر في (الفتح) في آخر كلامه على أحاديث الباب المذكورة. قال ابن بطال: ذهب الجمهور إلى أن الإشارة المفهمة تنزل منزلة النطق. وخالفه الحنيفة في بعض ذلك. ولعل البخاري رد عليهم بهذه الأحاديث التي جعل فيها النبي صلى الله عليه وسلم الإشارة قائمة مقام النطق. وإذا جازت الإشارة في أحكام مختلفة في الديانة فهي لمن لا يمكنه النطق أجوز.
وقال ابن المنير: أراد البخاري أن الإشارة بالطلاق وغيره من الأخرس وغيره التي يفهم منها الأصل والعدد نافذة كاللفظ ا ه ويظهر لي أن البخاري أورد هذه الترجمة وأحاديثها توطئة لما يذكره من البحث في الباب الذي يليه، مع من فرق بين لعان الأخرس، وطلاقه، والله أعلم.
فهذه الأحاديث وأمثالها هي حجة من قال: إن الإشارة المفهمة تقوم مقام اللفظ. واحتج من قال: بأن الإشارة ليست كاللفظ بأن القرآن العظيم دل على ذلك، وذلك في قوله تعالى في الآية التي نحن بصددها: * (فقولى إنى نذرت للرحمان صوما فلن أكلم اليوم إنسيا) * فإن في هذه الآية التصريح بنذرها الإمساك عن كلام كل إنسي، مع أنه تعالى قال: * (فأشارت إليه) * أي أشارت لهم إليه أن كلموه يخبركم بحقيقة الأمر فهذه إشارة مفهمة، وقد فهمها قومها فأجابوها جوابا مطابقا لفهمهم ما أشارت به: * (قالوا كيف نكلم من كان فى المهد صبيا) *، وهذه الإشارة المفهمة لو كانت كالنطق لأفسدت نذر مريم ألا تكلم إنسيا. فالآية صريحة في أن الكلام باللفظ يخل بنذرها، وأن الإشارة ليست كذلك، فقد جاء الفرق صريحا في القرآن بين اللفظ والإشارة، وكذلك قوله تعالى * (قال ءايتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا) * فإن الله جعل له آية على ما بشر به وهي منعه من الكلام، مع أنه لم يمنع من الإشارة بدليل قوله: * (إلا
(٤٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 402 403 404 405 406 407 408 409 410 411 412 ... » »»