أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ١٥٨
يعرف بعضهم بعضا فيعرف الآباء الأبناء، كالعكس، ولكنه بين في مواضع أخر أن هذه المعارفة لا أثر لها، فلا يسأل بعضهم بعضا شيئا، كقوله: * (ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم) *، وقوله: * (فإذا نفخ فى الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسآءلون) *.
وقد بينا في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) أيضا: وجه الجمع بين قوله: * (فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسآءلون) *، وبين قوله: * (وأقبل بعضهم على بعض يتسآءلون) *، في سورة: * (قد أفلح المؤمنون) *: أيضا.
قوله تعالى: * (قد خسر الذين كذبوا بلقآء الله وما كانوا مهتدين) *. صرح تعالى في هذه الآية الكريمة: بخسران المكذبين بلقائه، وأنهم لم يكونوا مهتدين، ولم يبين هنا المفعول به لقوله خسر، وذكر في مواضع كثيرة أسبابا من أسباب الخسران، وبين في مواضع أخر المفعول المحذوف هنا، فمن الآيات المماثلة لهذه الآية، قوله تعالى في (الأنعام): * (قد خسر الذين كذبوا بلقآء الله حتى إذا جآءتهم الساعة بغتة قالوا ياحسرتنا على ما فرطنا فيها) *، وقوله تعالى في (البقرة): * (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون مآ أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الا رض أولئك هم الخاسرون) *، وقوله في (البقرة) أيضا: * (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولائك يؤمنون به ومن يكفر به فأولائك هم الخاسرون) *، وقوله في (الأعراف): * (أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) *، وقوله في (الأعراف) أيضا: * (من يهد الله فهو المهتدى ومن يضلل فأولائك هم الخاسرون) *، وقوله في (الزمر): * (له مقاليد السماوات والا رض والذين كفروا بأايات الله أولائك هم الخاسرون) *.
والآيات في مثل هذا كثيرة، وقد أقسم تعالى على أن هذا الخسران لا ينجو منه إنسان إلا بأربعة أمور:
الأول: الإيمان.
الثاني: العمل الصالح.
الثالث: التواصي بالحق.
الرابع: التواصي بالصبر.
وذلك في قوله: * (والعصر إن الإنسان) * إلى آخر السورة الكريمة. وبين في مواضع أخر،
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»