أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ١٥٧
قوله تعالى: * (وإن كذبوك فقل لى عملى ولكم عملكم أنتم بريئون ممآ أعمل وأنا برىء مما تعملون) *.
أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة، أن يظهر البراءة من أعمال الكفار القبيحة إنكارا لها، وإظهارا لوجوب التباعد عنها، وبين هذا المعنى في قوله: * (قل ياأيها الكافرون) *، إلى قوله: * (ولى دين) *، ونظير ذلك، قول إبراهيم الخليل وأتباعه لقومه: * (إنا برءآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله) *.
وبين تعالى في موضع آخر أن اعتزال الكفار، والأوثان والبراءة منهم. من فؤائده تفضل الله تعالى بالذرية الطيبة الصالحة، وهو قوله في (مريم): * (فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب) * إلى قوله: * (ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا) *.
وقال ابن زيد، وغيره، إن آية: * (وإن كذبوك فقل لى عملى) *: منسوخة بآيات السيف.
والظاهر أن معناها محكم. لأن البراءة إلى الله من عمل السوء لا شك في بقاء مشروعيتها. * (ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقآء الله وما كانوا مهتدين * وإما نرينك بعض الذى نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون * ولكل أمة رسول فإذا جآء رسولهم قضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون * ويقولون متى هاذا الوعد إن كنتم صادقين) * قوله تعالى: * (ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار) *.
بين تعالى في هذه الآية الكريمة، أن الكفار إذا حشروا استقلوا مدة مكثهم في دار الدنيا، حتى كأنها قدر ساعة عندهم، وبين هذا المعنى في مواضع أخر، كقوله في آخر (الأحقاف). * (كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم) *، وقوله في آخر (النازعات): * (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) *، وقوله في آخر (الروم): * (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة) *.
وقد بينا بإيضاح في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب)، وجه الجمع بين هذه الآيات المقتضية أن الدنيا عندهم كساعة، وبين الآيات المقتضية أنها عندهم كأكثر من ذلك، كقوله تعالى: * (يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا) * وقوله: * (قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العآدين) * فانظره فيه في سورة: * (قد أفلح المؤمنون) * في الكلام على قوله: * (قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العآدين) *.
قوله تعالى: * (يتعارفون بينهم) *.
صرح في هذه الآية الكريمة: أن أهل المحشر
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»