أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ١٥٣
* (قل لو شآء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون * فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون * ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هاؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم فى السماوات ولا فى الا رض سبحانه وتعالى عما يشركون * وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون * ويقولون لولا أنزل عليه ءاية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إنى معكم من المنتظرين * وإذآ أذقنا الناس رحمة من بعد ضرآء مستهم إذا لهم مكر فىءاياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون * هو الذى يسيركم فى البر والبحر حتى إذا كنتم فى الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جآءتها ريح عاصف وجآءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هاذه لنكونن من الشاكرين * فلمآ أنجاهم إذا هم يبغون فى الا رض بغير الحق ياأيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحيواة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون * إنما مثل الحيواة الدنيا كمآء أنزلناه من السمآء فاختلط به نبات الا رض مما يأكل الناس والا نعام حتى إذآ أخذت الا رض زخرفها وازينت وظن أهلهآ أنهم قادرون عليهآ أتاهآ أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالا مس كذالك نفصل الآيات لقوم يتفكرون * والله يدعو إلى دار السلام ويهدى من يشآء إلى صراط مستقيم * للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولائك أصحاب الجنة هم فيها خالدون * والذين كسبوا السيئات جزآء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من اليل مظلما أولائك أصحاب النار هم فيها خالدون * ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركآؤكم فزيلنا بينهم وقال شركآؤهم ما كنتم إيانا تعبدون * فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين * هنالك تبلوا كل نفس مآ أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون * قل من يرزقكم من السمآء والا رض أمن يملك السمع والا بصار ومن يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى ومن يدبر الا مر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون * فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون * كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون * قل هل من شركآئكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون * قل هل من شركآئكم من يهدى إلى الحق قل الله يهدى للحق أفمن يهدى إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدى إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون * وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغنى من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون) * قوله تعالى: * (فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون) *.
في هذه الآية الكريمة حجة واضحة على كفار مكة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث إليهم رسولا حتى لبث فيهم عمرا من الزمن. وقدر ذلك أربعون سنة، فعرفوا صدقه، وأمانته، وعدله، وأنه بعيد كل البعد من أن يكون كاذبا على الله تعالى، وكانوا في الجاهلية يسمونه الأمين، وقد ألقمهم الله حجرا بهذه الحجة في موضع آخر، وهو قوله: * (أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون) * ولذا لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان، ومن معه من صفاته صلى الله عليه وسلم، قال هرقل لأبي سفيان: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال أبو سفيان: فقلت: لا، وكان أبو سفيان في ذلك الوقت زعيم الكفار، ورأس المشركين ومع ذلك اعترف بالحق، والحق ما شهدت به الأعداء.
فقال له هرقل: فقد أعرف أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس، ثم يذهب فيكذب على الله. اه.
ولذلك وبخهم الله تعالى بقوله هنا: * (أفلا تعقلون) *.
قوله تعالى: * (إنما مثل الحيواة الدنيا كمآء أنزلناه من السمآء) * إلى قوله: * (لقوم يتفكرون) *.
ضرب الله تعالى في هذه الآية الكريمة المثل للدنيا بالنبات الناعم المختلط بعضه ببعض، وعما قليل ييبس، ويكون حصيدا يابسا كأنه لم يكن قط، وضرب لها أيضا المثل المذكور في (الكهف) في قوله: * (واضرب لهم مثل الحيواة الدنيا كمآء أنزلناه من السماء) * إلى قوله: * (وكان الله على كل شىء مقتدرا) *، وأشار لهذا المثل بقوله في (الزمر): * (ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن فى ذلك لذكرى لا ولى الا لباب) *، وقوله في (الحديد): * (كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما) *:
تنبيه التشبيه في الآيات المذكورة عند البلاغيين من التشبيه المركب، لأن وجه الشبه صورة منتزعة من أشياء، وهو كون كل من المشبه والمشبه به يمكث ما شاء الله، وهو في إقبال وكمال، ثم عما قليل يضمحل ويزول، والعلم عند الله تعالى:
قوله تعالى: * (ويوم نحشرهم جميعا) *:
ذكر في هذه الآية الكريمة، أنه يوم القيامة يجمع الناس جميعا، والآيات بمثل ذلك كثيرة.
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»