وأشار إلى أن تصديقه للكتب السماوية المنزلة قبله وتفصيله للعقائد والحلال والحرام ونحو ذلك. مما لا شك أنه من الله جل وعلا. دليل على أنه غير مفتري. وأنه لا ريب في كونه من رب العالمين، وبين هذا في مواضع أخر كقوله: * (لقد كان فى قصصهم عبرة لاولى الألباب ما كان حديثا يفترى ولاكن تصديق الذى بين يديه وتفصيل كل شىء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) *. وقوله: * (وما تنزلت به الشياطين وما ينبغى لهم وما يستطيعون) * وقوله: * (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل) * والآيات في مثل ذلك كثيرة.
ثم إنه تعالى لما صرح هنا بأن هذا القرآن ما كان أن يفترى على الله، أقام البرهان القاطع على أنه من الله، فتحدى جميع الخلق بسورة واحدة مثله، ولا شك أنه لو كان من جنس كلام الخلق لقدر الخلق على الإتيان بمثله، فلما عجزوا عن ذلك كلهم حصل اليقين، والعلم الضروري أنه من الله جل وعلا، قال جل وعلا في هذه السورة:
* (أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) * وتحداهم أيضا في سورة (البقرة) بسورة واحدة من مثله، بقوله: * (وإن كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله) *: وتحداهم في (هود) يعشر سور مثله بقوله: * (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) *: وتحداهم في (الطور) به كله بقوله: * (فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين) *.
وصرح في سورة (بني إسرائيل) بعجز جميع الخلائق عن الإتيان بمثله بقوله: * (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هاذا القرءان لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) * كما قدمنا، وبين أنهم لا يأتون بمثله أيضا بقوله: * (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) *.
قوله تعالى: * (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله) *.
التحقيق أن تأويله هنا، هو حقيقة ما يؤول إليه الأمر يوم القيامة، كما قدمنا في أول (آل عمران)، ويدل لصحة هذا قوله في (الأعراف): * (هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتى تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جآءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعآء) *.
ونظير الآية قوله تعالى: * (بل هم فى شك من ذكرى بل لما يذوقوا عذاب) *.