أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ١٦٩
آيات هذا الكتاب فصلت من عند الحكيم الخبير لأجل أن يعبد الله وحده، سواء قلنا إن (أنه) هي المفسرة. أو أن المصدر المنسبك منها ومن صلتها مفعول من أجله، لأن ضابط (أن) المفسرة أن يكون ما قبلها متضمنا معنى القول، ولا يكون فيه حروف القول.
ووجهه في هذه الآية أن قوله: * (أحكمت ءاياته ثم فصلت) * فيه معنى قول الله تعالى لذلك الإحكام والتفصيل دون حروف القول، فيكون تفسير ذلك هو: * (ألا تعبدوا إلا الله) *.
وأما على القول بأن المصدر المنسبك من (أن) وصلتها مفعول له فالأمر واضح، فمعنى الآية: أن حاصل تفصيل القرآن هو أن يعبد الله تعالى وحده ولا يشرك به شيء. ونظير هذا المعنى قوله تعالى في سورة الأنبياء: * (قل إنمآ يوحى إلى أنمآ إلاهكم إلاه واحد فهل أنتم مسلمون) * ومعلوم أن لفظة (إنما) من صيغ الحصر، فكأن جميع ما أوحي إليه منحصر في معنى (لا إله إلا الله) وقد ذكرنا في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب). أن حصر الوحي في آية الأنبياء هذه في توحيد العبادة حصر له في أصله الأعظم الذي يرجع إليه جميع الفروع، لأن شرائع الأنبياء كلهم داخلة في ضمن معنى (لا إلاه إلا الله) لأن معناها. خلع جميع المعبودات غير الله جل وعلا في جميع أنواع العبادات، وإفراده جل وعلا وحده بجميع أنواع العبادات، فيدخل في ذلك جميع الأوامر والنواهي القولية والفعلية والاعتقادية.
والآيات الدالة على أن إرسال الرسل، وانزال الكتب لأجل أن يعبد الله وحده كثيرة جدا، كقوله: * (ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) *، وقوله: * (ومآ أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إلاه إلا أنا فاعبدون) *، وقوله: * (واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنآ أجعلنا من دون الرحمان ءالهة يعبدون) * إلى غير ذلك من الآيات.
وقد أشرنا إلى هذا البحث في سورة الفاتحة، وسنستقصي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في سورة (الناس)، لتكون خاتمة هذا الكتاب المبارك حسنى. قوله تعالى: * (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى) *. هذه الآية الكريمة تدل على أن الاستغفار والتوبة إلى الله تعالى من الذنوب سبب لأن يمتع الله من فعل ذلك متاعا حسنا إلى أجل مسمى. لأنه رتب ذلك على الاستغفار والتوبة ترتيب الجزاء
(١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»